دَخَلْتُ إليه دَاره بدِمَشْق في سَنَة ثَلاثٍ وسِتمائة مع وَالدِي، وقَرَأتُ عليهِ المَقَامَات الحَرِيرِيَّة وغيرها من كُتُب الأدَب، ولمَّا شَرَعتُ في قرَاءة المقَامَات عليه أعْجَبته قراءتي، وسَألني: أتَحْفَظُها؟ فقُلتُ لَهُ: لا، فمال إليَّ واعْتَنى بأمْري، وكان يأذن لي كُلَّما جئتُ إليه.
ولمَّا عَزَمتُ على العَوْد إلى حَلَب قال لي: اجْعَل في نَفْسك أنْ تَعُودَ إلينا، فأثَّر كَلَامُه عندي، وآثرتُ الرِّحْلَة إليه، وكان وَالدِي، رَحِمَهُ اللهُ، لا يَسْمَح بمُفَارقَتِي، إلى أنْ سَمح بأنْ يَزُور البَيْت المُقَدَّس فاسْتَصْحَبني معه، ووَصَلْتُ معه إلى دِمشْق، ودَخَلْتُ إلى الشَّيْخ، رَحِمَهُ اللهُ، فقَرأتُ عليه عدَّة من كُتُب الأدَب والحَدِيث في سَنَة ثَمانٍ وسِّتمائة، ثُمَّ عُدتُ من البَيْت المُقَدَّس، وكُنْتُ أتردَّدُ إليه وأسْمعُ منه بقِرَاءَتي وقراءة غيري في سَنَة تِسْعٍ وسِّتمائة. وسَألتُهُ عن مَوْلدِه فقال؛ وكَتَبَهُ لي بخَطِّه: في سَنَة عشرين وخَمْسِمائَة في شَعْبانها.
وقال لي أبو الحُسَين يَحْيَى العَطَّار إنَّهُ قال له: في الخَامِس والعشْرين منه.
أخْبرَنا الإمَامُ العَلَّامَة أبو اليُمْن زَيْد بن الحَسَن الكِنْدِيّ بقِرَاءَتي عليه، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن عَبْد البَاقِي الأنْصَاريّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَنِ علِيّ بن إبْراهيم بن عِيسَى البَاقِلَّانِيّ المُقْرِئ، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر أحْمَد بن جعْفر بن حَمْدَان بن مَالِك القَطيْعيِّ، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ الله بن أحْمَد بن حَنْبَل، قال: حَدَّثني أبي، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر، قال: حَدَّثَنَا شُعْبَة، عن إسْمَاعِيْل بن أبي خَالِد، قال: سَمِعْتُ قَيْس بن أبي حَازِم يُحَدِّثُ عن جَرِير رَضِيَ اللهُ عنهُ، قال (١): كُنَّا عند رسُول الله صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَيْلَة البَدْر، فقال: إنَّكُم سَتَرونَ رَبّكم عزَّ وجلَّ كما تَرونَ القَمَر، لا تُضَامُونَ في رُؤْيَتهِ، فإنْ اسْتَطعتُمْ أنْ لا
(١) كتاب السنة للشبياني ١: ١٩٦ (رقم ٤٥١)، وكتاب الإيمان لابن مندة ٣: ٧٦١ (رقم ٧٩٧)، صحيح ابن حبان ١٦: ٤٧٥ - ٤٧٦ (رقم ٧٤٤٣)، فتح الباري ٢: ٥٢ (رقم ٥٧٣).