للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان يَظْهر للرَّائي أنَّ زَيْن الأُمَناء أسَنّ، فابتَدَر الكِنْدِيّ من غير رَويَّةٍ وقال: تَاج الأُمَناءِ في سَنِّ زَيْن الأُمَناء، وهذا من أحْسَن النَّوَادر والتَّورية.

وسَمِعْتُ رَفِيْقَنا النَّجِيْبُ أبو الفَتْح ابن الصَّفَّار، قال: كان الشَّيْخ تَاج الدِّين الكِنْدِيّ يَجْلس في اللَّبَّادِين بدِمَشْق على حَانُوْت بالقُرْبِ من دَاره يَجْلِس فيها بعضُ الكَحَّالين، فاتَّفَقَ يَوْمًا أنْ جاءت امرأةٌ إلى الكَحَّال والشَّيْخ تَاج الدِّين جالسٌ عندَهُ، فذَكَرَت للكَحَّال مَرَضًا بعَيْنها، وأطَالَت الكَلَام معه إلى أنْ أضْجَرَتْهُ، فقال لها: والله قد أخَذتِ مُخِّي، فقال له تَاج الدِّين الكِنْدِيّ في الحالِ: نَعَم لتُطْعِمَهُ زَوْجَها!.

وحُكِي لي من نَوَادره أنَّهُ أُهْدِي له جَدْيَان، فدَخَل بهما عَتِيقه يَاقُوت، الّذي سُمِّي بعد ذلك يَعْقُوب، وقد وَضَع أحدهما تحتَ إبْطَه الأيْمَن، والآخر تحتَ إبْطه الَأيْسَر، وعند الشَّيْخ جَمَاعَة، فقال له حين رآهُ: يَعِيْشُون لك.

وبَلَغَني أنَّهُ دَخَل إليه طَبِيْبان: أحدهمُا كَحَّال، والآخر طَبَائِيّ، فقال للكَحَّال: كم فرقْتَ اليَوْم عَصًا؟ فقال الطَّبَائِعيّ (a): كَثِيْرٌ، فقال للطَّبَائِعيّ: أنْتَ مُسْتَريْحُ؛ خُصُومُك المَوْتى!.

ومن مُهَاتَرَاته المُسْتَملحَة أنَّهُ حَضَر بدِمَشْق في مَجْلِس الوَزِير ابن شُكْر، وفي المَجْلِس أبو الخَطَّاب بن دِحْيَة، وهو يَنْتَسب إلى كَلْب، فأوْرَد ابن دِحْيَة حَدِيث الشَّفَاعَة وقال فيه: ولكنِّي كُنْتُ من وَراءَ وراءَ؛ بالفَتْح، فأنْكَره الكِنْدِيّ وقال: هو بالضَّمِّ من: ورَاءُ وراءُ لا غير، فجَرَى بينهما كَلامٌ آلَ بهما أنْ سَفه عليه ابنُ دِحْيَةَ، فقال له الشَّيْخُ الكِنْدِيُّ: نُسِبْتَ إلى كَلْبٍ فنَبحْتَ.


(a) كذا في الأصل، وسياق الكلام يقتضي أن يكون: الكَحَّال.

<<  <  ج: ص:  >  >>