للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما رأيتُ شَيْخًا أكْمَل منه فَضْلًا، ولا أتَمَّ منه عَقْلًا ونُبلًا، وثِقَةً وصِدْقًا، وتَحْقِيقًا وتَثْبِيتًا، ورَزَانَةً، مع دَمَاثةِ أخْلَاقهِ، ولُطْف عِشْرته، وكَرَم تَوَاضُعِه، وطِيْب مُجَالسَتِه، وحُسْن نِشْوَاره.

وكان مَهِيْبًا وَقُورًا؛ أشْبَه بالوُزَرَاءِ من العُلَمَاء لجَلَالته، وعُلوِّ مَنْزِلته عند المُلُوك والأعْيَان وسَائر النَّاس.

وكان أعْلَم أهْل زَمَانه بالنَّحو، وأظُنُّه كان يَحْفظ كتابَ سِيْبَوَيْه، لأنِّي ما دَخَلْتُ عليه قَطّ إلَّا وهو في يَدِه يُطَالعُهُ، وكانت له بهِ نُسْخَة في مُجَلَّدةٍ واحدةٍ بخَطِّ الدَّقَّاق النَّحْوِيّ، دَقِيْقة الخَطّ، فكان يَرَاها بلا كُلْفَة وقد بَلَغَ التِّسْعِين، وكان قد مَتَّعَهُ الله بسَمْعِه وبَصَره وقُوَّتهِ، فكان مَلِيْح الصُّورَة طَرِيفًا، إذا تَكَلَّم ازْدَاد حَلاوة، وله النَّظْم والنَّثْر المَلِيْح والبَلَاغَة الكَامِلة.

تُوفِّي شَيْخُنا أبُو اليُمْنِ الكِنْدِيّ في ضَحْوَة نَهَار الاثْنَين سَادِس شَوَّال سَنَة ثلاث عَشْرة وسِتّمائة، ووصَلَ إلينا الخَبَرُ بذلك في ذي القَعْدَة من السَّنَةِ إلى حَلَب، ثمّ أخْبَرَنِي بوَفاتِهِ جَمَاعَة على ما ذَكَرْتُه. ودُفِنَ بجَبَل قَاسِيُون.

سَمِعْتُ أبا [عَبْد الله] (a) الحُسَين بن إبْراهيم الإرْبِلِيّ بدِمَشْق يقُول لي عَشِيَّة لَيلَة الاثنين الرَّابِعة من شهر رَبيع الآخر من سَنَة إحْدَى وأرْبَعين وسِتِّمائة، قال: رأيْتُ لَيْلَة الأَحَدِ الثَّالثة من الشَّهر المَذْكُور الشَّيْخ تَاج الدِّين أبا اليُمْن الكِنْدِيّ وهو على أحْسَن هَيْئَةٍ، وقد جاءه إنْسَان يَطْلبُ منه الدُّعَاءَ لوَلَدِه، فقال قائل: وأينَ بَلَدُك (b)؟ فقال. في بَلَدِ الرُّوم، فاسْتَدَار الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللهُ إلى جِهَة الشَّمَال ودَعَا لوَلد ذلك الإنْسَانِ، فقال قائلٌ: أفْلَح جميعُ منْ في بَلَد الرُّوم بدُعَاءَ الشَّيْخ،


(a) بياض في الأصل قدر كلمة، وفي ق: أبا الحسين بن إبراهيم، وتقدمت إشارة ابن العديم له في غير موضع بالكنية المثبتة، وهو شرف الدين الحسين بن إبراهيم بن الحسين الأربلي، توفي سنة ٦٥٦ هـ، انظر ترجمته في العبر للذهبي ٣: ٢٧٩.
(b) كذا في الأصل، ولعل الأظهر ولدك.

<<  <  ج: ص:  >  >>