للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن المُنَادِي (١): ثمّ بلغَنا بعد ذلك أنَّ البَحْر المَعْرُوفَ بفُنْطُس من وراء قُسْطَنْطِينِيَّة (a) يجيءُ من بَحر الخَزَر، وعَرْض فُوَّهته ستَّة أمْيالٍ، فإذا بلغ أَنْدُس (b) صار هنالك بين جَبَلين، وضَاق حتَّى يكُون عرضُه غَلْوَةَ سَهْمٍ، وبين أَنْدُس هذه وبين قُسْطَنْطِينِيَّة مائة مِيلٍ في مُستَوىً من الأرْض، ثمّ يَمُرّ الخَلِيْج حتَّى يصُبَّ في بحر الشَّام، وعَرْضُه عند مَصَبِّهِ ذلك مقْدَار غَلْوَة سَهْمٍ أيضًا، وهَنالك -زَعَمُوا- صَخْرة عليها بُرْجٌ فيه سِلْسلَةُ تَمنَعُ المُسْلِمِيْن من دخُول الخَليْج، وطُوُل الخَليج من بَحْر الخَزَر إلى بَحر الشَّام ثلاثةُ وعشرون مِيْلًا تنْحَدر المَراكب فيهِ من بَحَر الجَزَر وتيكَ النَّواحي، وتَصْعَدُ فيه من بَحْرِ الشَّام إلى القُسْطَنْطِينِيَّةِ.

وقال أبو الحُسَيْن بن المُنَادِي: حَدَّثَنا جَدِّي، رَحِمَهُ الله، قال: حَدَّثَنَا يَزِيد ابن هارُون، قال: أخْبَرَنَا العَوَّام بن حَوْشَب، قال: حَدَّثَني شَيخُ كان مُرَابِطًا بالسَّاحِل، قال: خَرَجْتُ ليلة بحَرَسٍ إلى المِيْناء، ولم يَخْرُج تلك اللَّيْلة أحدٌ غيري، فصَعدتُ الميناء، فكان يُخَيَّلُ إليَّ -وأنا مُسْتَيقظٌ- أنَّ البَحْر يُشْرفُ حتَّى يُحاذي برؤُوس الجِبَال ففَعَل ذلك مرارًا وأنا مُسْتَيقظُ، ثمّ نِمْتُ، فرأيْتُ في النَّوم كأنَّ الرَّاية بيَدي وأنا أمْشِي أمامَ أهْلِ هذه المَدِينَة، وهم يَمْشُونَ خَلْفي، فلمَّا أصبَحْتُ رجَعْتُ، فاسْتَقْبَلَني أميرُ المَدِينَة، وأبو صالح مَوْلَى عُمَر بن الخَطَّاب رَحِمَهُ الله، فكانا أوَّل مَنْ خَرَجَ من المَدِينَة، فقالا لي: أين النَّاس؟ قُلتُ: رجَعُوا قَبْلي. قالا: لم تَصْدقْنَا، نحنُ أوَّل مَنْ خَرَجَ من المَدِينةَ، قال: قُلتُ: لم يَخْرُج أحَدٌ غيري، قالا: فما رأيتَ؟ قُلتُ: واللهِ لقد كان يُخَيَّل إليَّ أنَّ البَحْر يُشْرف حتَّى يُحاذي برؤوس


(a) الأصل: قسطنطينة.
(b) ابن الفقيه: البلدان ١٩٠، و مروج الذهب ٢: ٤٤: أَبدُس، والمثبت موافق لنقل ابن الجوزي عن كتاب ابن المنادي، وعند سبط ابن الجوزي ١: ١٠٥: الأندلس.

<<  <  ج: ص:  >  >>