قد فوَّض نَصْر أُمُوره إلى سَدِيد المُلْك أبي الحَسَن عليّ بن مُنْقِذ بعد عَوْده من طَرابُلُس، وفَوَّضَ إليه أُمُوره، وكان الوَزِير ابن النَّحَّاس بقَلْعَة حَلَب، وفي القَلْعَة وَالٍ يُقَال له: وَرْد، وعندهما جَمَاعَة من الخَوَّاص، فلمَّا عَلِمُوا بقَتْل نَصْر اسْتَدْعوا أخاهُ سَابِق بن مَحُمُود، وكان سَاكِنًا في العَقَبَة في الدَّار الّتي تُنْسَبُ إلى عَزِيز الدَّوْلَة فَاتِك، وكان قد شَرِبَ فيها وسَكِرَ، فحُمِلَ من العَقَبَة وهو سَكْران، ورُفِعَ من السُّور بحَبْل إلى القَلْعَة وهو سَكْران، ونادوا بشِعَاره، وأطَاعَهُ الأجْنَادُ، وأشَاروا عليه بإطْلاق أحْمَد شَاه من الاعْتِقَال؛ وكان نَصْر اعْتَقَله، فأطْلَقَهُ في الحَالِ، وخَلَعَ عليه، فنَزَلَ أحْمَد شَاه إلى العَسْكَر بالحاَضِر فسَكَّن الفِتْنَة.
واسْتَقَرَّتْ قَاعِدةُ سَابِق، ولُقِّبَ عِزّ المُلْك أبو الفَضائِل، ودَخَلَ عليهِ أبو الفِتْيَان ابن حَيُّوس، فمَدَحَهُ بقَصِيْدَتهِ الّتي أوَّلها (١): [من الطويل]
عَلَيَّ لها أنْ أحْفَظَ العَهْدَ والوُدَّا … وإنْ لم يُفِدْ إلَّا القَطِيْعَةَ والصَّدَّا (a)
فأطْلَق له سَابِق ألف دِيْنار، وجَعَلَ له في كُلِّ شَهْرٍ ثلاثين دِيْنارًا.
وكان سَابِق من مُتَخَلِّفِي بني مِرْدَاس، وكان يَنْظم الشِّعْر، فإنَّني وَقَفْتُ في دِيْوان شِعْر ابن النَّحَّاس على أبْيَاتٍ يُخَاطب بها سَابِق بن مَحْمُود، وقد أنْشَده شِعْرًا لنَفْسِه فيه:[من الخفيف]
ولمَّا مَلَك سَابِق، وعَرِفَ بنو كِلَاب تخلُّفه، اجْتَمَعوا إلى أخيهِ وَثَّاب، وحَسَّنُوا له أخْذَ حَلَب، وانْضَاف إليه أَخُوه شَبِيْب بن مَحْمُود، ومُبَارَك بن شِبْل؛ ابن خَالهما، فسَيَّرَ سَابِق واسْتَدْعَى أحْمَد شَاه أمير الأتْرَاك، وكان في ألْف فَارِس،