للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبلغَ ذلك تَاج الدَّوْلَة تُتُش، فرَحَلَ عن حَلَب إلى الفُرَات، وشَتَّى بدِيَار بَكْر، ثُمَّ عادَ إِلى حَلَب، وافْتَتَح مَنْبج في طَرِيْقهِ وبُزَاعَا وعَزَاز، وصبَّح حَلَب صبَاحًا، فَخَرَج عَسْكَر حَلَب، فالْتَقَوا على الخناقِيَّة (١)، وانْهَزَم عَسْكَر تُتُش بغير قِتَالٍ.

وكان أبو زَائِدَة وابن عَمّه شِبْل بن جَامِع بن زَائِدَة في قَدْر خَمْسِين فَارِسًا مُقَابلهم، فَحَمَلُوا عليه، واتَّفقتْ هَزِيمَتهم فقَتلُوا من الغُزِّ جَمَاعَةً وغَنِمُوا، وتقدَّم مُحَمَّد بن زَائدَة إلى الشّيْخ أبىِ نَصْر منْصُور بن تميْم السَّرْمِيْنِيّ المعرُوف بابنِ زَنْكَل أنْ يُجِيْبَ أَبا الفَضائِل سَابِق بن محمود عن القَصِيدَة الّتي أنْفَذَها إليه، ويُعَرِّفه ما لبني كِلاب من الأيَّام المَعْرُوفة، ويَذْكر هذه الوَقَائِع، فعَمِل (٢): [من الطويل]

دَعَوْتَ مجُيْبًا نَاصِحًا لكَ مُحْلِصًا … يَرَى ذاكَ فَرْضًا لا مَحَالَةَ وَاجِبَا

فلَبَّيتُ لا مُسْتَنْكِفًا جَزِعًا ولا … هِدَانًا إذا خَاضَ الكَرِيهةَ هَائبِا

قال فيها في ذِكْر هذه الوَقَائِع:

ولمَّا دَعَاني المُدْرِكيُّ ابنُ صَالِحٍ … شَقَقْتُ ولَم أرْهَبْ إليَهِ الكَرَائِبا

أسَابِقُ صَرْفَ الدَّهْرِ في نَصْرِ سَابِقٍ … إلى تَرْكُمانِ التركِ أُزْجِي النَّجَائِبا

فلمَّا الْتَقَيْنَاهُم غَدَا البَعْضُ سَالِبًا … لأنْفُسِهِمْ والبَعْضُ للمَالِ نَاهِبَا

فيا لَكَ مِن يَوْمٍ سَعيدٍ بِيُمْنِهِ … عَنٍ الثَّغْرِ أضْحَىِ عَسْكَرُ الضِّدِّ هَارِبَا

وَكانَ يَرَى في كَفِّهِ الشَّامَ حَاصِلًا … ويوْمَ بُزَاعَا ردَّ ما ظَنَّ خَائِبَا


(١) الخنَّاقيَّة: كانت من متنزهات حلب التي يخرج إليها من باب حلب، ويجري أسفلها نهر قويق حسبما ذكر ابن العديم في زبدة الحلب ١: ٢٩٥، وانظر: الدر المنتخب لابن الشحنة ٢٥٦، وهي اليوم من أحياء حلب بقرب حي السريان، يقال في تسميتها بهذا الاسم أن سببه لأن كثيرين دخلوها فاختنقوا، الأسدي: أحياء حلب ١٩٤ - ١٩٦.
(٢) انظر القصيدة في زبدة الحلب ١: ١٩٦ - ٣٩٧، وفيها زيادة بيت على المدرج هنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>