للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتَّى انْتَهَى إلى جُندَيْسَابُور، وكان قد تحصَّن جُنُود (a) فَارِس وعظماؤهم، فنَصَبَ عليهم المَجَانِيْق حتَّى هَدَم نِصْفَها، ولَم يَسْتَطِع دُخُولها.

فبَيْنا هو كذلك، إذ غَفَل حُرّاسُ سَابُور من الرُّوم ذات لَيْلَةٍ فلم يغلقُوا البابَ الّذي كان يلقَى إليهِ الطّعَام في النُّقْرة، وكانت لَيْلَة مُقْمِرَةً، وكان حَوْل النُّقْرة ممَّن غَنِمَت الرُّوم من سَبْي الأهْوَاز أناسٌ كَثِيْرٌ، فرَفَعَ سَابُور رأسَهُ، وقَبْل ذلك ما سَمِعَ كلامهم وعَرِفَ لُغَتَهم، وكان عندَهُم زِقَاق زَيْت، فدَعا سَابُور بعضَهُمِ فقال: خُذُوا من هذه الزِّقَاق فأفْرغُوه على رَأسِيِ، ففَعَل ذلك فابْتَلّ القَدّ وَلَان، وكان قد نَحلَ جِسْمُه فلَم يَلْبَث أنْ أسْبَل يَدَيهِ ورِجْليه من الوِثَاقِ، وخَرَجَ من النُّقْرة يَدُبُّ على قَوَائمِهِ شِبْه الدّابَّةِ، حتَّى إذا جاء من باب المَدِينَة رَآهُ الحَرَسُ فصَاحُوا به، فأشار إليهم أنْ اصْمِتُوا وأخْبَرَهم باسْمه، فعرفُوا صَوْتَهُ ففَتَحُوا باب المَدِينَة (b)، فلمَّا دَخَلَ على أهْلها اشْتَدَّ سُرُورهم به، ورَفَعُوا أصْوَاتَهم بحمدِ اللّهِ وتَسْبِيحه.

فاسْتَنْبه قَيْصَر وأصْحَابه بأصْوَاتهم (c)، وظنُّوا أنَّهُ أتاهم مَدَدٌ من وَرَائهم، ثمّ قال لهم سَابُور: اسْتَعدُّوا وتَعَبَّوا، فإذا سَمِعْتُم صَوْتَ نَاقُوس الرُّوم فارْكَبُوا خُيُولكم، فإذا ضُرِبَ بهِ الثَّانيَة فواقفُوهُم (d)، فإنِّي أرْجُو أنْ يَفْتَح اللّهُ لم عليهم، ويَفُلّ حَدَّهُم، ففَعَلُوا ذلك بهم، فقَتَلوا الرُّوم أبْرَحَ القَتْلِ، وأمْرَهم سَابُور أنْ يأخُذوا قَيْصَرًا أسِيْرًا ولا يَقْتُلوه، فأسَروا قَيْصَر، واسْتَباحُوا ما كان معه من أمْوَالِهِ وأمْتَعته ونِسَائهِ، فأمَرَ بكُلِّ ما كان معَهُ من السَّبْي فرُدَّ إلى بلادِهِم وأرْضِهم، وبما كانوا أصَابُوا أنْ يُدْفع إلى مَنْ كان له.


(a) ق: جنوده.
(b) قوله: "ففتحوا له باب المَدِينَة" ساقط من ق.
(c) ق: بأصواته.
(d) ق: فوافقوهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>