للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أوَّلها إلى آخرها ويُعْربُها فلا يُوجَد فيها لُحْنَة، فإذا أوْرَدَها لا يأتي بحَرْف منها صَحِيحًا، لأنَّهُ كان أقْلَفَ اللِّسَان؛ لا يَسْتَطِيع تَصْحيح الكَلَام بلِسَانهِ.

وكان قد أوْطَن حَلَب، وخَدَمَ المَلِك الظَّاهِر غَازِي بن يُوسُف بن أَيُّوب، وأجْرَى له مَعْلُومًا مع الشُّعَراءِ الّذين في خِدْمَته، وكان أمْثَل الشُّعَراءِ عنده بعدَ رَاجِح الحِلِّيّ.

رَوَى لنا عن أَبِيهِ شَيئًا من شِعْره، وعن قاضي حِمْص أبي البَيَان مُحَمَّد بن عَبد الرَّزَّاق بن أبي حَصِيْن، وعبد الله بن أَسْعَد المَوْصِلِيّ، نَزِيلُ حِمْص، وأنْشَدَنا من شِعْره عدَّة مَقَاطِيْع وقَصَائِد.

وكان وَعَدَني أنْ يَحْملَ مُسْوَّدَات شِعْره إليَّ جَمِيعها خَوْفًا أنْ يَمُوتَ وتَصِيْر في أيْدِي النَّاس فيَدَّعيها غيره، وماتَ ولَم يَحْمل شيئًا.

وسَألتُهُ عن مَوْلدِه، فقال: يكُونُ لي إلى اليَوْم أرْبَعةٌ وخَمْسُون أو خَمْسةٌ وخَمْسُونَ سَنَةً، وكان سُؤالي إيَّاه في شَهْر رَبيِع الآخر من سَنَة أرْبَع عَشرة وسِّتمائة؛ فيكُون مَوْلدُهُ تقدِيرًا بحِمْص في سَنَة ستِّين أو في سَنَة تِسْعٍ وخَمْسِين وخَمْسِمائَة.

أنْشَدَني سَالِم بنُ سَعَادَة الحِمْصِيُّ لنَفْسِه بحَلَب: [من الطويل]

هَلِ الطَّرْفُ من فَيْضِ الدُّمُوع جَرِيْحُ … أم النَّوْمُ ما بين الجُفُون ذَبِيْحُ

وهل نَارُ لَيْلَى أم تألّق بارقٍ … دُجَى اللَّيْلِ يَخْبُو تَارةً ويَلُوْحُ

فَتَاةٌ بها عُلِّقْتُ في كَبدي أسىً … تَسَرْبَلْتُ منه السُّقْمَ وهو صَحِيْحُ

وبَانَ فُؤادِي يَوْم بانَ فريْقُها … ودَمْعِي على سَفْح الكَثيْب سَفُوحُ

فأَنْشَدْتُ قَلْبي والدُّمُوعُ لدَى النَّوَى … أَفِي كُلِّ يَوْم غُرْبَةٌ ونُزُوحُ

وما أنا صَاحٍ من سُلَافِ صبَابةٍ … بها لي غَبُوقٌ دَائم وصَبُوحُ

<<  <  ج: ص:  >  >>