قال فيها:
وفي حَلَب لمَّا أفَاضَ على الوَرَى … غيُوثَ نَدَىً تَنْهلُّ مِن كَفِّه النَّدِي
دَعَا لِورودِ الجودِ كُلِّ مُفَوَّهٍ … بتَحْبيرِ ألْفَاظِ القَرِيْضِ المُجَوَّدِ
فَجُبْتُ إلَيهِ البِيْدَ فَوْقَ شِمِلَّةٍ … مُضَبَّرَةِ الضَّبْعَينِ مَفْتُولَةِ اليَدِ
وَجِئْتُ كما جاءَ ابنُ حَيُّوسَ مَادِحًا … لأعْظَمِ مَمْدُوحً وأكْرَمِ مُرفِدِ
وسَمِعْتُه يُنْشدهُ أيضًا لنفسِه: [من الطويل]
عَسَى ظبيةُ الوعْسَاء تُدني مَزَارَها … وتَطْوِي بنَشْرِ الأُنْسِ عنَّا نِفَارَها
مَضَى حَيُّها تحتَ الدُّجنَّةِ ظَاعِنًا … وأبْقَى لنَفْسِي وَجْدَها وادِّكَارَها
ولمَّا بِها شَطَّ الفَرِيقُ عن الحِمَى … وأبْعَدَ عَن إجْراعِهِ الميْثِ دَارَهَا
ولَم أَرَ منها جَوَّهُ وَهْوَ مُشْرِقٌ … بشَمْسِ ضُحَىً يَحْكِي الهِلَالُ سَوَارَها
أَطلْتُ وقُوفي في الطُّلُول ولَوْعَتي … يُفَرِّم ماءُ الدَّمْعِ في الصَّدْرِ نَارَها
دِيَارٌ على آثارِها ليْ تشوُّقٌ … أجَدَّ صَبَاباتي بها وأثارَهَا
عَهِدتُ بها الشَّمْسَ الّتي لو جَمَالُها … تُغِيرُ بهِ شَمْسَ الضُّحَى لأغَارَها
فَتَاةٌ فُتاتُ المِسْكِ يَهْتكُ في الدُّجَى … إذ زَارِتِ الصَّبَّ الكَئيْبَ اسْتِتارَها
تَشُدُّ على البَدْرِ المُنِيرِ نِقابَها … وتُرْخي على الغُصْنِ النَّضِيْرِ إزَارَها
ومِن بَعْدِ أيَّامٍ أطَالَ وِصَالُها … إليَّ بها رَوْحَاتِها وابْتِكَارَها
وجَدْتُ اللَّيالِي بالهُمُوم طَوِيلَةً … على مُهْجَتي لمَّا عَدِمْتُ قِصَارَهَا
ومَنْ لي بأنْ يَعْتادَ طَرْفيْ رُقادُهُ … عَسَى طَيْفُها في النَّوْم يُدْني مَزَارَها
ويا حبَّذا بالرَّقْمَتَيْنِ خَمَائِلٌ … هَمَى الغَيْثُ فيها لَيْلَها ونَهَارَها
وأضْحَى بها مَرَّ النَّسِيمِ مُرنَّحًا … بدُرِّ النَّدَى حَوْذَانَها وعَرَارَها