للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فغَيَّر كَنَائِس النَّصَارَي بحَلَب، واتَّخَذ فيها مَحاريْبَ إلى جهة القِبلَةِ، وجَعلَها مَساجِدَ؛ أخْبرَني بذلك والدي رَحِمَهُ الله عن أبيه.

وإنَّما عُرفَ هذا المْشْهَدُ بمَشْهَد الدَّكَّة، لأنَّ في سَطْح جَبَل جَوْشَن من شمالي المَشْهَد المَذْكُور، في مكانٍ مُشْرِف، صَخْرُة ناتئةُ في الجَبَل تُشْبه الدَّكَّة المَبْنِيَّة.

ووقفْتُ يومًا عليها ومعي رَضي الدِّين أبو سَالِم بن المُنْذر، وكان شَيْخًا حَسَنًا من أعْياَن الحَلَبِّيينَ، فقال لي: هذه الدَّكَّة كان يَجْلِسُ عليها الأمِيرُ سَيْفُ الدَّوْلَة ابن حَمْدَان كَثِيْرًا، ويَتَفرِّجُ على مَدِينَة حَلَب وما حَوْلَها، فلا يَسْتَتر عنْهُ شيء منها؛ وهذا المَشْهَدُ جَدَّدَ عِمَارتَهُ قَسِيمُ الدَّوْلَة آقْ سُنْقُر والد زَنْكِي، واسْمُهُ عليه.

وفي سَفْح جَبَل جَوْشَن، من شَماَلي مَشْهَد الدَّكةَّ، مَشْهَدُ آخر يُسَمَّى مَشْهَد الحُسَيْن، بناهُ الحَلَبِيُّون لمنامٍ زَعَمُوا أنَّهُ رُأَى، وتَنَوَّقُوا في بنائه وإحْكامِهِ ومَنْجُوره، وتبَرَّع جَمَاعَةُ من الصُّناّع في عِماَرَة شيءٍ منه، وأظْهر صَنْعتَه فيه؛ ووقَفَ المَلِكُ الظَّاهِر غَازِي، رَحِمَهُ الله، عليه وَقْفًا حَسَنًا، اسْتمالةً لُقلُوبِ الشِّيْعَة من أهل حَلَب.

وكان في سَفْح جَبَل جَوْشَن دَيْرٌ للنَّصارَى يُعرفُ بدَيْر البِيْعَتَيْن، ويُعرْفُ أيضًا بمارْة مَرُوثا، وقد ذكَرَهُ الشِّمْشَاطيِّ في كتاب الدِّيَرةَ (١).

وقيل إنَّ سَيْف الدَّوْلَة كان أيَّام مقامه بالحَلْبَة في قَصْرِه كان يَنْتَابُ هذا الدَّيْر، ويُحْسنُ إلى أهْله، وقد خَرِبَ هذا الدَّيْر بالكُلِّيَّة، ولم يبقَ له أثَرٌ، وكان من شمالي مَشْهَد الحُسَين، وأرَاني مَوضِعَهُ بعضُ أكابر أهْل حَلَب.


(١) تقدم التعريف بالكتاب فيما سبق، وسمي هذا الدير بدير البيعتين لأن فيه مسکنين، للرجال والنساء، وانظر عن دير مار مروثا: مسالك الأبصار لابن فضل الله العمري ١: ٤١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>