للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من كُلّ جَانب، وزَحَفُوا إلى القَلْعَة من كُلّ جَانِب، واسْتَأمَن جَمَاعَة من المَغارِبَة الّذين كانوا في القَلْعَة، وطِيْفَ بهم في المَدِينَة، وبسطَتْ ثِيَاب الدِّيْبَاج والسَّقْلَاطُون وبذر (a) المَال مُقَابل القَلْعَة، وبَذَل ذلك لمَنْ يَنْزل إلى ابن مُسْتَفَاد وابن طَوْق، فطَلعُوا إلى القَلْعَة من كُلِّ مَكان، ودَخَلَ ابن مُسْتَفَاد وابن طَوْق القَلْعَة يَوْم الأرْبَعَاء مُسْتَهَلّ جُمَادَى الأُوْلَى سَنَة ستّ عشرة وأرْبَعِمائة، وقُبِضَ على مَوْصُوف وثُعْبَان، وبَقِيا إلى أنْ وَصَلَ صالح وفَعَل بهما ما سَنَذكرُه فيما بَعْد إنْ شَاءَ اللّهُ تعالَى.

ودَام ابن مُسْتَفَاد في الكَرَامَة وعُلُوّ المَرْتَبة في أيَّام صَالِح وبعدَ مَوْته إلى أنْ اسْتَوْحَشَ سَالِم بن مُسْتَفَاد من شِبْل الدَّوْلَة نَصْر بن صالح في سَنَة ثَلاثٍ وعشرين وأرْبَعِمائة، فاسْتَنْفَر عليه سَالِم أحْدَاثَ حَلَب ورَعَاعَها، ولبسُوا السِّلاح، وعَوَّلُوا على مُحَارَبة القَلْعَة.

وكان يَتَردَّد بين سَالِم وبين نَصْر كَاتبٌ نَصْرَانِيٌّ يُعْرَفُ بتُوْمَا، وكان يُحَرِّف ما يَنْقلُه عن ابن مُسْتَفَادٍ إلى نَصْر، ويَزِيْد في التَّجَنِّيّ، ويَسُوْم شطَطًا لا يُمْكنُ إجَابته إليهِ، وذلك من غير عِلْم من ابن مُسْتَفَادٍ.

فلمَّا رَأى نَصْر كَثْرة تَعَدِّيهِ حَمَلَ نَفْسَهُ على مُحَارَبتهِ، ورَكِبَ إليهِ، فلمَّا رآهُ الحَلَبِيُّونَ دَعَوا وانْقَلبُوا إليهِ، وقَاتَلُوا دارَ ابن مُسْتَفَاد، فطَلَبَ الأمَان، فحَلَف له بأنَّهُ لا يَجْري له دَمًا، وحَبَسَهُ بالقَلْعَة ونُهِبَت دَارُه، ثُمَّ خافَ اسْتِبْقاءهُ فقَتَلَهُ خَنْقًا ليَخْرُج عن يَمِيْنه بأنَّهُ لَم يُجْرِ له دَمًا، وتبيَّن لنَصْر بعد قليلٍ كَذب ذلك النَّصْرانِيّ الكَاتِب، وما كان يُحَرِّفه في رِسَالته، فقَبَض عليه وطَالَبه بمالٍ، فلعَّا اسْتَصْفَى مَالَهُ، دَخَلَ عليهِ بَعْضُ أجْنَادِ القَلْعَة فخَنَقَهُ.


(a) كذا في الأصل بالذال، ولعل الصواب بالمهملة: جمع بَدْرَة؛ كيس فيه مقدار محدد من المال.

<<  <  ج: ص:  >  >>