للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الوَلِيد: فأخْبَرَنا غير واحد من شُيُوخنا أنَّ الجَرَاجِمَة غَلَبَت على الجِبَال كُلّها من لُبْنَان وسَنِيْر وجَبَل الثَّلْج وجِبَال الجَوْلَان، فكانت بَاسنْبل (a) مَسْلَحَة لبَاقي الزُّهَّاد (b)، وعَقْرَبا الجَوْلَان مَسْلَحَهَ حتَّى جَعلُوا يُنادُون عَبْد المَلِك بن مَرْوَان من جَبَل دَيْر المُرَّان من اللَّيْل، حتَّى بَعَثَ إليهم عَبْدُ المَلِك بالأمْوَال ليَكُفُّوا حتَّى يَفْرغ لَهم، وكان مَشْغُولًا بقِتَال أهْل العِرَاق، ومُصْعَب بن الزُّبَيْر وغيره.

قال: ثمّ كَتَبَ عَبْد المَلِك إلى سُحَيْم بن المُهاجِر في مَدِينَة أطْرَابُلُس، يَتَواعَدهُ ويأمرُه بالخُرُوج إليهم، فلم يَزَل سُحَيْم ينتَظر الفُرْصَة منهم، ويَسْأل عن خَبَرهم وأُمُورهم، حتَّى بَلَغَهُ أنَّ فلْقَط في جَمَاعَةٍ من أصْحَابه في قَرْيَةٍ من قُرَى الجَبَل، فخَرَج سُحَيْم في عشرين رَجُلًا، من جُلَدَاء أصْحَابهِ، وقد تهيَّأ بهَيْئَةِ الرُّوم في لبَاسه وهَيْئَته وشَعره وسِلَاحه، مُتَشبِّهًا ببِطْرِيْق من بَطَارِقَة الرُّوم؛ بعثَهُ مَلِك الرُّوم إلى جَبَل اللُّكام في جَمَاعَةٍ من الرُّوم، فغَلَبَ على ما هُنالك.

فلَّمَا دَنَا من القَرْيَة، خَلَّفَ أصْحَابه وقال: انْتظرُوني إلى مَطْلع كَوْكَب الصُّبْح، فدَخَلَ على فلْقَط وأصْحَابهِ، وهُم في كَنِيْسَة يَأكُلون ويَشْربُون، فمَضَى إلى مُقَدَّم الكَنِيْسَة، فصَنَعَ ما يَصْنَعُه النَّصارى من الصَّلاة والقَوْل عند دُخُولها (c) كَنَائِسها، ثمَّ جَلَسَ إلى فلْقَط، فقال له: مَنْ أنتَ؟ فانْتَمى إلى الرَّجُل الّذي يَتَشبَّهُ به، فصَدَّقَهُ، وقال له: إنِّي إنَّما جئتُكَ لِمَا بلَغَني من جهاز سُحَيْم، وما أجْمعَ بهِ من الخُرُوج إليك، لأُخْبرك بهِ وأكْفيكَ أمْرَهُ إنْ أتَاك، ثُمَّ تَنَاول من طَعَامهم، ثمّ قال لفلْقَط وأصْحَابه: إنَّكُم لَم تَأتُوا ها هُنا للطَعَام والشَّرَاب، ثمّ قال لفلْقَط: ابْعَث معي عَشرةً من هؤلاء من أهْلِ النَّجْدَة والبَأْسِ، حتَّى نَحْرسكَ اللَّيْلة، فإنِّي لسْتُ آمَنُ أنْ يَأتيك ليْلًا، فبَعَثَ معه عَشرة، وأمَرَهم بطَاعَته، فخَرَجَ بهم إلى أقْصَى


(a) تاريخ ابن عساكر: باسبل، ولم أهتد لمعرفتها.
(b) ابن عساكر: مسلحة لنا في الرقاد.
(c) ابن عساكر: دخول.

<<  <  ج: ص:  >  >>