جَيِّد الشِّعْر، جَيِّد المَعَاني، له ديْبَاجةُ تُسْتَحْلى، فَصِيحٌ مَطْبُوعٌ، ذو أوْصَافٍ أعْجَزَتْ غيره من أهْل عَصْره أَنْ يأتي بمثْلها، وكان رَائِقَ الشِّعْر حَسَنَهُ، كَثِيْر التَّقَلُّب في بَدِيع التَّشْبِيْهَات والمَعَاني.
وهذا وَهْمٌ في وَفَالَه، فإنَّهُ قَدِمَ على سَيْفِ الدَّوْلة في سَنَهَ خَمْس وأرْبَعين وثَلاثِمائة، وَجَدْتُه كذلك في نُسْخَةٍ قَدِيْمَةٍ من دِيْوان شِعْره، وبَقِى مُدَّةً في باب سَيْف الدَّوْلَة، وخَرَجَ بعد ذلك إلى بَغْدَاد، ومَدح بعد ذلك الوَزِبر المُهَلَّبي، وتُوفِّيَ في أيَّام الوَزِير أبي الفَضْل العبَّاس بن الحُسَين الشِّيرازيّ، والصَّحيح في وفاته أنَّهُ تُوفِّي سَنَهَ اثْنَتيْن وسِتِّين وثَلاثِمائة، كَذَا وَقَعَ إليَّ في بَعْض تَعْلِيمَاتي.
أخْبَرَنا أبو حَفْصٍ عُمَر بن مُحَمَّد بن طَبرزَد، فيما أَذِنَ لى في رِوَايِتِهِ عنهُ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور مُحَمَّد بن عَبْد المَلِك بن الحَسَن بن خَيْرُون، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَد بنُ عليّ الخَطِيبُ (١)، قال: السَّرِيُّ بنُ أحْمَد بن السَّرِيّ، أبو الحَسَن الكِنْدِيّ الرَّفَّاء المَوْصِليُّ، شَاعِرٌ مُجَوِّدٌ، حَسَنُ المَعَاني، وله مَدَائِح في سَيْفِ الدَّوْلَة وغيره من أُمَرَاءِ بني حَمْدَان، وكان بينَهُ وبين أبي بَكْر وأبي عُثْمان مُحَمَّد وسَعِيْد ابْني هاشِمٍ الخَالِديَّين حالةٌ غيرِ جَمِيلةٍ، ولبَعْضِهم في بعضٍ أهَاجِي كَثِيْرة، فآذَاهُ الخَالِديّان أذى شَدِيْدًا، وقَطَعا رَسْمَهُ من سَيْفِ الدَّولَةِ وغيره، فانْحَدَر إلى بَغْدَاد، ومَدَحَ بها الوَزِيرَ أبا مُحَمَّد المُهَلَّبي، فانْحَدَر الخَالِديان وراءَهُ، ودَخَلَا إلى المُهَلَّبي وثَلَبَا سَرِيًّا عندَهُ، فلم يَحْظَ منه بطَائِلٍ، وحَصَلا في جُمْلةِ المُهَلَّبي يُنَادِمَانه، وجَعَلا هِجِّيْرَاهمُا ثَلْبَ سرِيٍّ، والوَقِيْعَةَ فيه، ودَخَلَا إلى الرُّؤَسَاءِ والأكَابِر ببَغْدَاد، ففَعَلا به مثْل ذلك عندَهُم. وأقام ببَغْدَاد يتَظَلَّم منهما ويَهْجُوهُما، ويُقال: إنَّهُ عَدمُ القُوْت فَضْلًا عن غيره، ودُفعَ إلى الوَرَاقَة، فَجَلسَ يُوَرِّق شِعْرهُ ويَبِيْعَه، ثمّ نَسَخ لغيره بالأُجْرَهَ، ورَكِبَهُ الدَّيْنُ، وماتَ ببَغْدَاد على تلك الحالِ بُعَيْد سَنَة ستِّين وثَلاثِمائة.