للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: حَدَّثَنَا الجُنَيْدُ بن مُحَمَّد، قال: أرْسَلَنِي سَرِيٌّ رَحِمَهُ اللهُ في حاجةٍ، فأبْطَأتُ عليه، فقال لي: إذا أرسَلَك مَنْ يَتَكلَّم في مَوَارد القُلُوب في حَاجَةٍ فلا تُبْطئ عليه، فإنَّ قُلُوبهُم لا تَحْتَمل الانْتِظَارَ.

أنْبَأنَا أبو اليُمْن زَيْدُ بنُ الحَسَن، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور القَزَّازُ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَد بن عليّ الخَطِيبُ (١)، قال: أخْبَرَنا أبو نُعَيْم الحافِظ، قال: أخْبَرَنا جَعْفَر (a) الخُلْدِيّ في كتابهِ، قال: سَمِعْتُ الجُنَيْد بن مُحَمَّدُ يقول: كُنْتُ يَوْمًا عند السَّرِيّ بن المُغَلِّس، وكُنَّا خَاليَيْن، وهو مُتَّزَر بمِئْزَر، فنَظَرْتُ إلى جَسَدِهِ كأنَّهُ جَسَدُ سَقِيم دَنَف مُضْنى، كأجْهَد ما يكُون، فقال: انْظُر إلى جَسَدي هذا، لو شِئْتُ أنْ أقُول إنَّ ما بى هذا من المحَبَّةِ، كان كما أقُول، وكان وَجْهُه أصْفَر ثُمَّ أَشْرَق (b) حُمْرَةً، حتَّى تَوَرَّد، ثمّ اعْتَلَّ، فدَخَلْتُ عليه أعودُهُ، فقُلْتُ له: كيف تَجِدُكَ؟ فقال: [من الخفيف]

كيفَ أشْكُو إلى طَبِيْي ما بي … والّذي بي أصَابَني من طَبِيْي!

فأخَذْتُ المِرْوَحة أُرَوِّحُه، فقال لي: كيفَ يَجِدُ رَوْح المِرْوَحَة مَنْ جَوْفُه يَحْتَرقُ من دَاخِل؟! ثمّ أنْشَأ يَقُول: [من البسيط]

القَلْبُ مُحْتَرقٌ والدَّمْعُ مُسْتَبقٌ … والكَرْبُ مُجْتَمِعٌ والصَّبْرُ مُفْتَرقُ

كيفَ القَرَار على مَنْ لا قَرَارَ لَهُ … ممَّا جَنَاهُ الهَوَى والشَّوْقُ والقَلَقُ

يا رَبِّ إنْ كان شيءٌ فيه لي فَرَجٌ … فامْنُنْ عليَّ به ما دَامَ بي رَمَقُ


(a) ق: أبو جعفر، وفي المنتظم: جعفر الخالدي، وتقدم التعليق عليه قريبًا.
(b) تاريخ بغداد والمنتظم: أشرب.

<<  <  ج: ص:  >  >>