للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصَّلَاح والخَيْر، فأقام عندنا بحَلَب مُدَّةً، ثمّ تَوَجَّه إلى دِمَشْق، فنَفَقَ على المَلِك الأشْرَف مُوسَى ابن المَلِك العادِل أبي بَكْر بن أَيُّوب، وخَالَطَهُ وعَمِلَ فيه أشْعَارًا كَثِيْرةً، وعَملَ كِتَابًا يَتَضَمَّن فُصُولًا من كَلَامهِ في الحَقِيْقَةِ والحِكْمَة؛ كَتَبْتُه له بخَطِّي وقَرَأتُه عليهِ، وأهْدَاهُ إلى المَلِك الأشْرَف.

وعادَ - بعد تَوجُّهه إلى دِمَشْق - إلى حَلَب سَنَة سَبعٍ وعشْرين وستِّمائة، ثمّ عاد إلى دِمَشْق وانْقَطَع في المَسْجِد الجامع، يَعْبُدُ الله في المَنَارَة الشَّرْقيَّةَ إلى أنْ احْتَرَقَتْ، فانْتَقَلَ إلى مقْصُورة الحَنَفِيَّة الّتي في شَمَاليّ الجامع وشَرْقيّهِ، فأقامَ فيها يَعْبُد الله تعالَى إلى أنْ ماتَ.

اجْتَمَعْتُ به بحَلَب وبدِمَشْق، وأنْشَدَني من شِعْره كَثِيْرًا، وسَمِعْتُ منه فُصُولًا من كَلَامه، وكان سَمعَ بهَرَاة أبا رَوْح عَبْد المُعِزّ بن مُحَمَّد بن أبي الفَضْل الهَرَويّ، وحَدَّثَ عنهُ بدِمَشْق بأجْزاء من مُسْنَد أبي يَعْلَى.

وكان فَاضِلًا، عَالِمًا، حَسَن الأخْلَاق. قال لي: لمَّا سَافَرْتُ إلى العَجَم خَرَجْتُ عن الدِّيْن بالكُلِّيَّة، وكُنْتُ قد اشْتَغَلتُ بشيءٍ من عُلُوم الأوَائِل، ثمّ مَنَّ اللهُ عليَّ بَعْد ذلك، ببَرَكَة مُحْبَتي الشَّيْخ أبا الحَسَن الفَاسِيّ رَحِمَهُ اللهُ، فعُدْتُ إلى الإسْلَام، وللهِ الحَمْدُ.

وكان قد رَوَى أبْيَاتًا ببَغْدَاد، عن الشّيْخ أبي الحَسَن، كَتَبَها عنهُ رَفِيْقُنا أبو عَبْد الله بن النَّجَّار، ذَكَرْناها في تَرْجَمَةِ عليّ (١) فيما يَأتي إنْ شَاءَ اللهُ تعالَى، أنْشَدَنا الشَّيْخُ سَعْد الله بن أبي الفَتْحِ بن مَعالي المَنْبِجِيّ لنَفْسِه في الزُّهْدِ: [من الخفيف]

ذَكِّرِ النَّفْسَ بالمَعَادِ وخُذْها … في طَرِيق سهلٍ قَرِيْبٍ تَذكَّرْ


(١) ترجمة علي بن يوسف الفاسي في الضائع من أجزاء الكتاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>