للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلمَّا فَرَغَ من إنْشَادهِ قُلْتُ لهُ: يا مَوْلَانا، ما رَأيْتُ مَجْلِسًا أشْبَهَ بمَجْلِس طَاهِر العَلَويّ (a) لمّا امْتَدَحَهُ المُتَنَبِّي من هذا المَجْلِس!

ثمّ أمَرَ الأمِيرُ فَخْر الدِّين هِنْدي فأُحْضر ما كان قد أعدَّهُ له، فكان عَيْنًا ثَلاثمائة دِيْنار مِصْريَّة، وفَرَسًا عَرَبيًّا عليه سَرْجٌ ولِجام ومِقْوَد مَضْرُوب على السُّيُور، كُلّها دَنَانِيْر مِصْريَّة (b)، وثِيَابًا وعَبِيْدًا وإماءً، قُوِّم ذلك كُلُّه بألْف دِيْنار مِصْريَّة، ثُمَّ اعْتَذَر إليه وقال: أيُّها الأَمِير شِهَابُ الدِّين، أتَيْتَني وأنا مُمْلقٌ ما أمْلكُ واللهِ شيئًا سِوَى ما قد دَفَعْتُهُ لك، ولَم يتَخَلَّف لي إلَّا الحِلَّة، وهي بمَن فيها مَوْهُوبةٌ منِّي لك. فقال له: يا فَخْر الدِّين، لا تَعْتَذر، فقد أكْرَمْتَ وبالَغْتَ في الإكْرَام، واللهِ لقد أَجَزْتَني أكْثَر من إجَازَة ابن مَلِكْشاه، يَعْني: السُّلْطان سَنْجَر.

قال ابنُ المُعَلِّم: وفي تلك المَرَّة جَعَلَني رَاوِيةً له، كان نَجْم الدِّين أبو الغَنائِم يَقُول: إنَّني أحْفَظ جمِيعَ شِعْر الحَيْص بَيْص ورَسَائِلَهُ.

قُلتُ: يُريْد بقَوْله: ما رَأيْتُ مَجْلِسًا أشْبَه بمَجْلِس طَاهِر العَلَويّ لمَّا امْتَدَحَهُ المتُنَبِّي من هذا المَجْلِس، يُريدُ أنَّ المُتَنَبِّي لمَّا قَصَدَ طَاهر العَلَويّ ممتَدحًا، أجْلَسَهُ طَاهِر في الدَّسْت وجَلَسَ بينَ يَدَيْهِ حتَّى فَرَغَ من إنْشَادِ مِدْحَته.

أخْبَرَنَا أبو هَاشِم عَبْدُ المُطَّلِب بن الفَضْل الهاشِميّ، قال: أخْبَرَنَا أبو سَعْد عَبْد الكَريم بن مُحَمَّد بن مَنْصُور السَّمْعَانيّ، قال: سَمعْتُ أبا العبَّاس الخَضِر بن ثَرْوَان المُقْرِئ الضَّرِيْر ببَلْخ يَقُول: سَمِعْتُ أنَّ (c) حَيْص بَيْصَ انْحَدَر إلى أبي المُظَفَّر بن حَمَّاد بالبَطائِح، فخَطَر له في الطَّريق قَصْدَ هِنْديٍّ، رَجُلٌ من أُمَرَاءِ الأكْرَادِ يَنْزل الزَّابَات، فمَدَحَهُ بقَصِيدَةٍ أوَّلها (١): [من الكامل]


(a) ق: العدوي.
(b) ق: مضروبة.
(c) ق: ابن.

<<  <  ج: ص:  >  >>