مُحَمَّد بن عليّ بن المُعَلِّم الهُرْثِيّ - بوَاسِط سَنَة اثْنَتَيْن وثَمانين وخَمْسِمائَة، وأنا أقْرأُ عليه شَيئًا من شِعْره، قال: كان الأمِيرُ شِهَاب الدِّين الحَيْصَ بَيْص في الحِلّةِ المَزْيَديَّةِ عند الأَمِير مُهَلْهِل الجَاوَانِيّ، وخَرج (a) منها قَاصِدًا الأَمِير فَخْر الدِّين هِنْديَّ الزُهَيْريّ، فلهَّا قَرُب من حِلَّتِه وهو نَازِلٌ في بلَادِ الزَّاب، عَلِمَ هِنْديّ به، فخَرَجَ إليهِ مُسْتَقبلًا له، فلهَّا نَزَلَ واسْتَراح وحَضَر الطَّعَام ورُفِعَ من بين أيْدي الحاضِريْن، الْتَفَتَ إليه الأَمِير فَخْر الدِّين وقال له: أيُّها الأَمِيرُ شِهَابُ الدِّين، ما الأمْرُ الّذي أوْجَبَ الحُضُور هَا هُنا؟ قال: أتيْتُكَ مَادِحًا، ففَرحَ الأَمِير فَخْر الدِّين بقَوْله ذلك، وقال له: يا شِهَابَ الدِّين، كُلّ ما تُرِيدهُ عندي إلَّا مَنْ يَعْلَم ما تَقُول ويَفْهم ما تأتي به، ليسَ عندِي! بَلى إنْ أنْعَم الأَمِير وصَبر حتَّى أُنْفِذَ إلى الهُرْث أُحْضر ابنَ المُعَلِّم، وإلى وَاسِط اسْتَحْضِر منها الفُضَلَاءَ، وكذلك من الحِلَّةِ والنِّيْل، فَعَل مُنْعمًا؟ قال: قد صَبَرتُ.
قال: فنَفَّذَ الأمِير فَخْر الدِّينِ هِنْديّ إليَّ فَارِسًا قَطَعَ المَسَافَة - وهي مَسِيْرةُ ثلاثهَ أيَّامٍ - بيَوْمٍ ولَيْلةٍ، واسْتَدعَانيّ، وعَرَّفني الخَبَر، فرَكِبْتُ معه، وحَثَثْنَا أنْفُسَنا أيضًا بَيْومٍ وليْلةٍ، وأَصْبَحْنا عندَهُ، وكان قد أوْقَفَ على دِجْلَة مَنْ يسْتَحضر المُنْحَدرين والمُصْعِدِين ممَّن له مِيْزَةٌ ونَبَاهَةٌ، وحَضَرَ من الفُضَلَاء من أهْلِ وَاسِط والحِلَّة والنِّيْل جَمْعٌ كَثِيْرٌ، وضَرَبَ خَيْمَةً كَبيرةً، وطَرَح فيها طرَّاحَةً ومَسْنَدًا، [و] جَلَسَ الأَمِيرُ شِهَابُ الدِّين على الطّرَّاحَةِ، واسْتَنَدَ إلى المَسْنَد، وأخْرَج الوَرَقَة من كُمِّه، وأنْشَد القَصِيدَةَ، وأوَّلُها (١): [من الكامل]
أأجَأ وسَلْمَى أمْ بِلَادُ الزَّابِ … وأبو المُهَنَّد أم غَضَنْفَرُ غَابِ