للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَنَةً، وسافَرَ إلى الرَّيّ، وقَرأ المَذْهَبَ والخِلَافَ هُناك على رَئيسها مُحَمَّد بن عَبْد الكَريم بن الوَزَّان الشَّافِعيّ، وتكلَّم في مَسَائِلِ الخِلَافِ، ونَاظَر فيها الفُقَهَاء، وقَرأ على أَسعَد المِيْهَنِيّ أيضًا، ثُمَّ إنَّهُ قَرَأ الأدَبَ، وقال الشِّعْرَ، وأُعْطِي حَظًّا من الفَصَاحَةِ في النَّظْم والنَّثْر، ومَدَحَ الخُلَفَاءَ والمُلُوكَ والوُزَرَاءَ والكُبَرَاءَ، وقال الشِّعْر في جَمِيع الفُنُون فأجَادَ، واتَّفق الخاصُّ والعَامُّ على تَفْضِيلهِ على شُعَرَاءِ وَقْتهِ.

ولَزِمَ قَانُونًا من الوَقَار لم يكُن لأحدٍ من أبناءَ جِنْسِهِ. وكان وَافِر الحُرْمَة عند الخَاصِّ والعَامِّ، ولُقِّبَ بمَلِك الشُّعَراءِ. وكان يَلْبَس القَبَاءَ والعِمَامَةَ، ويتَزيَّا بزيّ العَرَب العَرْبَاءِ، ويتَقَعَّر في كَلَامِهِ.

وقيل: إنَّ سَبَبَ تَلْقِيْبِه بالحيص بَيْص أنَّهُ قال لبَعْضِ أصْدِقائه بأصْبَهَان في جُمْلَة عتابٍ عاتَبَهُ في جَمْعٍ من النَّاسِ: وَقَعْتُ منكَ في حَيْصَ وبَيْص؛ أي في شِدَّة! وتَلَى ذلك أنْ قال في أبياتٍ ذَمَّ فيها الزَّمانَ (١): [من الوافر]

لَئِنْ أصْبَحْتُ بَيْنَكُمُ مُضَاعًا … أَبِيْعُ الفَضْلَ مَجَّانًا رَخِيْصَا

وعَاقَنِيَ الزَّمانُ عَنِ المَعَالِي … فصِرْتُ إلى حَبَائِلِهِ قَنِيْصا

فإنِّي سَوفَ أُوْقعُكُمْ بَبَأسِي … وإنْ طَالَ المَدَى في حَيْصَ بَيْصا

فَلُقِّبَ الحَيْص بَيْص، وصَارَ لا يُعْرفُ إلَّا بهِ.

سَمِعَ شَيئًا من الحَدِيْثِ من الشَّرِيفِ أبي طَالِب الحُسَين بن مُحَمَّد بن عليّ الزَّيْنَبِيّ ببَغْدَاد، وأبي المَجْد مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عِيسَى بن جَهْوَر المُعَدَّل الوَاسِطِيّ بوَاسِط، رَوَى لنا عنْهُ عَبدُ الوَهَّاب بن عليّ الأَمِين، وأحمد بن عُمَر بن أحْمَد بن بَكْرُون الشَّاهِد، وإسْمَاعِيْل بن مُحَمَّد بن يَحْيَى المُؤدِّب، وصَاحِبُهُ قيصَر بن المُظَفَّر بن يَلْدَرَك، وغيرُهُم.


(١) لم ترد في ديوان الحيص بيص، ولا في المستدرك عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>