للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن عَمِّه، قال: سَمِعْتُ يُونُسَ بن حَبِيْب يَقُول: كان يُنَادِم المُنْذِرَ بن ماءَ السَّماء جَدّ النُّعْمان بن المُنْذِر بن المُنْذِر رَجُلان من بَني أَسَدٍ، يُقال لأحَدِهما خَالِد بن المظل (a) والآخر عَمْرو بن مَسْعُود بن كَلَدَة، وهُما اللَّذان عَنَاهُما (b) الشَّاعر بقَوْله: [من الطّويل]

ألَا بَكَر النَّاعِي بخَيْرَيْ (c) بَني أَسَدْ

فشَربَ لَيْلَةً معهما، فراجَعَاهُ الكَلَام، فأغْضَبَاهُ، فأمَرَ أنْ يُحْفَر لكُلّ واحدٍ منهما حَفِيرة بظَهْر الكُوفَة، ويُجْعلَان في تَابُوتَين ثُمَّ يُدْفَنان في الحَفِيْرة، ففُعِلَ بهما ذلك، فلمَّا أصْبَحَ سَأل عنهما فأخْبَرُوه بهَلَاكِهما، فرَكِبَ حتَّى نَظَر إليهما فأمرَ ببِنَاءِ الغَرِيَّين، فبُني عليهما، ثمّ جَعَل لنَفْسِه يَوْمَيْن في السَّنَة يَجْلسُ فيهما عند القَبْرين، سَمَّى أحدَهمُا يَوْمِ نَعِيْم والآخر يَوْمَ بُؤْس، فكان يُوضَعُ سَرِيرُه بينهما، فأوَّلُ مَنْ يطلُعُ عليه في يَوْم نَعِيْمهِ وهو على سَرِيره يُعْطيهِ مائةً من الإِبِلِ سُهْمًا، وهي السُّوْد وكانت ممَّا يَقْتَنيها المُلُوكُ، وكان أوَّل مَنْ يُشْرف عليهِ في يَوْم بُؤسهِ يُعْطِيه رأسَ ضَرِبان، ثمّ يأمرُ به فيُذْبَح ويُغَرَّي بدَمِهِ الغَرِيَّيْن، فلَبثَ بذلك بُرْهَةً من دَهْره يُعْطي ويَقْتُل ويُغَرِّي بدِمَاءِ القَتْلى الغَرِيَّيْن.

فبينما هو ذات يَوْم من أيَّام بُؤْسِه، إذ طلَعَ عليه عَبِيْدُ بن الأبْرَص الأسَدِيّ أوَّل مَنْ أشْرَف عليهِ، فقال له المُنْذِر: هَلَّا كان الذَّبْح لغيركَ يا عَبِيْدُ؟ قال: أتَتْكَ بحَائنٍ رِجْلاهُ؛ فأرْسَلَها مَثَلًا، فقال المُنْذِر: أو أجَلٌ بَلَغَ أنَاهُ، قال: أنْشِدني يا عَبِيْدُ شِعْركَ فإنَّهُ يُعْجبُني، فقَال: حَالَ الجَرِيْضُ دُونَ القَرِيْض وبلغَ الحِزَامُ الطُّبْيَيْن. الجَرِيْضُ: غصَّة المَوْت، فأرْسَلَها مثلًا.


(a) كذا في الأصل وق، وفي السيرة لابن هشام ١: ٥٧٢، والروض المعطار للحميري ٤٢٧: خَالِد بن نضلة، وفي الأغاني ٢٢: ٦١: المضلّل، وعند المعافى بن زكرياء: الجليس الصالح ٤: ١٤٦: خَالِد بن المفَضْل.
(b) الأصل: غنَّاهما.
(c) في ق والروض المعطّار: بخير.

<<  <  ج: ص:  >  >>