للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابنُ السِّكِّيْت (١): هذا يَوْم الرَّحُوب، ويَوْمُ مُخَاشِن، ويَومُ البِشْر، وكان من سبَبَ هذا اليَوْم أنَّه لمَّا كانت سنَةُ ثلاثٍ وسَبعِين، قُتِلَ عَبْدُ اللهِ بن الزُّبَيْر، فهَدَأَتِ الفِتْنَةُ، واجْتَمع النَّاسُ على عَبْد المَلِكِ، وتَكَافَّتْ قَيْسٌ وتَغْلِبُ عن المغَازِي بالشَّام والجَزِيرة، وظَنَّ كُلُّ واحدٍ من الفريقَيْن أنَّ عندَهُ فَضْلًا لصَاحبِه، وتكلَّم عَبْدُ المَلِكِ ولم يُحْكِم الصُّلْح، فبينا هُم على تلكَ الحالِ، إذ أَنْشَد الأَخْطَلُ عَبدَ المَلِكِ، وعندَهُ وجُوه قَيْسٍ، قولَهُ (٢): [من الطويل]

ألَا سَائِل الجَحَّافَ هَلْ هو ثَائرٌ … بِقَتْلَى أُصِيْبَتْ من سُلَيْم وَعَامرِ

حتَّى أتَى على آخِرها، فنَهَضَ الجَحَّافُ بن حَكِيم يَجُرُّ مُطْرَفَهُ حتَّى خَرَجَ من عند عَبْد المَلِكِ، ثمّ شَخَص من دِمَشْق، حتَّى أتى منزلَهُ ببَاجَرْوَان من أرضِ البَلِيْخ، وبين بَاجَرْوَان وبنِن شَطّ الفُرَات ليلةٌ، ثمّ جَمَعَ قَوْمَهُ بها، فقال: إنَّ أَمِير المُؤمِنِين اسْتَعمَلَني على صَدَقَاتِ تَغْلِب، فانْطَلِقُوا معيِ، فارتَحل، وانْطَلَقُوا معهُ وهو لا يُعْلمُهم ما يريدُ، وجَعَلَتِ امْرأتُهُ عَبْلَةُ تَبْكي حين ودَّعَتْهُ، ثمّ أتَى بهم شَطّ الفُرَاتِ مَنَازلَ بَنِي عَامِر، فقال لهم مثل ذلك، وجَمَعَهُم فارْتحلُوا معه، ثمّ قَطَع بهم الفُرَات إلى الرُّصَافَة، وبينها وبين شَطِّ الفُرَاتِ ليلةٌ، وهي قِبْلة الفُرَاتِ، حتَّى إذا كانُوا بالرُّصَافَة قال لهم: إنَّما هي النَّارُ أو العَارُ، فَن صَبَرَ فليَتَقَدَّم، ومَنْ كَرِه فليَرْجع، فقالوا: ما بأَنْفُسِنَا رَغْبةٌ عن نَفْسِك، فأخْبَرَهُم بما يُريدُ، فقالُوا: نحنُ معَكَ فيما كُنْتَ فيه من خير وشَرٍّ، فارْتَحلُوا فطَرَقُوا صَهِيْنًا (a) بعْدَ رُوْبَةٍ (b) منِ اللَّيْل، وهي في قِبْلةِ الرُّصَافَهَ وبينهما مِيْلٌ؛ ثمّ صَبَّحُوا عَاجِنَةَ الرَّحُوبِ، وهي في قِبْلة صَهِيْن، والبِشْرُ وادٍ لبَني تَغْلِب، وإنَّما سُمِّي البِشْرُ


(a) ضبطها أبو الفرج الأصفهاني بضم الصاد (الأغاني ١٣: ١٤٣).
(b) الرُّوْبَة: القطعة، الساعة أو الطائفة من الليل. لسان العَرَب، مادة: روب

<<  <  ج: ص:  >  >>