برَجُلٍ من قَاسِط يُقالُ لهُ البِشْرُ، كان يَخْفُر السَّابلَةَ، وكان يَسْلُكُه مَن يُريدُ الشَّامَ من أرْض العِرَاق بين مَهَبّ الدَّبُور والصَّبَا، مُعْترض بينهما، يُفْرِغُ سُيُولَهُ في عَاجِنَة الرَّحُوب وبينهما فَرْسَخٌ، وبين عَاجِنَةِ الرَّحُوبِ وبين الرُّصَافَةِ ثلاثةُ فَرَاسِخ، والبِشْرُ في قِبْلَةِ عَاجِنَةِ الرَّحوب، ودِمَشْق في قِبْلةِ البِشْر.
ثُمَّ أغارُوا على بَني تَغْلِب بين البِشْر والشَّام ليلًا، فقَتَلُوهم، وبَقَرُوا النّسَاءَ فقتَلُوهُنَّ، فهو يَوم البِشْرِ، ويَوم عَاجنَةِ الرَّحُوب، ويَوْم مُخَاشِن، وهو جَبَلٌ يَنْعَرج إلى بعض البِشْر، وهو يَوْم مَرْج السَّلَوْطَح، لأنَّهُ بالرَّحُوب.
قال: وقُتِلَ أبو الأَخْطَل (١) في تلك اللَّيْلةِ، وفي ذلك يقول جَرِيرٌ (٢): [من الوافر]
شربْتَ الخَمْرَ بعد أبي غِيَاثٍ (a) … فَلَا نَعِمَتْ لكَ النَّشَوَاتُ بَالَا
وهَرَبَ الجَحَّافُ بعد فِعْلَهِ هذا، فتَبعَهُ عُبَيْدَةُ بن هَمَّامٍ التَّغْلِبِيّ، فلحقَهُ دونَ الدَّرْبِ وهو يُريدُ بلادَ الرُّوم، فعَطَفَ عليه فهَزَمِ أصْحَابه وقتَلهُم، وأَفْلَتَ الجَحَّافُ، ومَكُثَ زمانًا في بلَدِ الرُّوم حتَّى سكَن غَضبُ عَبْد المَلِك ولَانَ، وكَلَّمَتْهُ العَبْسِيَّةُ (٣) في أنْ يُؤَمِّنَهُ، فتَلَكَّأ، فقيل: إنَّا واللهِ لا نأمَنُه على المُسْلِمِيْنَ أنْ يأتي بالرُّوم إليهم؛ فأعْطاهُ الأمَان، وقد كان عَامَّةُ أصْحَابِه تَسَلَّلُوا إلى مَنَازلهمِ، فأقْبَل فيمَن بقي من أصْحَابه، فلهَّا قَدِمَ على عَبْدِ المَلِك لقيَهُ الأَخْطَل، فأنْشَدَهُ الجَحَّافُ:[من الطويل]