أبا مالِكٍ هَلْ لُمْتَني إذ حَضَضْتَني … على القَتْلِ أمْ هَل لامَنِي لكَ لائِم
فزَعَمُوا أنَّ الأخْطَل قال لهُ: أراكَ باللهِ شَيْخَ سَوْءٍ.
ورَأى عَبدُ المَلِك أنَّهُ إنْ تَرَكَهُم على حَالِهم أنَّه لم يُحْكم الأمْر، فأمَرَ الوَلِيدَ ابنَ عبْدِ المَلِك، فحمَلَ الدِّماءَ الّتي كانت قبل ذلك بين قَيْسٍ وتَغْلِب، وضَمَّن الجَحَّافَ قَتْلَى البِشْر، وألْزَمَهَا إيَّاهُ عقُوبَةً له، فقال الأَخْطَلُ في تَصْدَاق ذلك (١): [من الطويل]
لَقَدْ أوْقَعَ الجَحَّافُ بالبِشْر وَقْعَةً … إلى اللهِ منها المُشْتَكَى والمُعَوَّلُ
فأدَّى إليهم الوَلِيدُ الحِمَالات، ولم يكُن عندَ الجَحَّاف ما حُمِّل، فلَحِقَ بالحَجَّاج بن يُوسُف، لأنَّهُ من هَوَازِن، فسَأل الإذْنَ على الحَجَّاج، فمنَعَهُ، فلم يَعُد إليهِ، وأتَى أسْماء بن خَارِجَة (٢)، فَعَصَبَ حاجَتَهُ به، فقال: إنّي لا أقدِر لك على منفَعَةٍ، وقد عَلِمَ الأَمِيرُ مكانَك ولم يأذَنْ لك، فقال لأَسْماءَ: والله لا يلَزمُها غيرك أنْجَحَتْ أم نكثت! فلمَّا بلغَ ذلك الحَجَّاج قال: مَا لَهُ عندِي شيءُ. فأَبْلَغَهُ ذلك، قال: وَمَا عليكَ أنْ تكونَ أنتَ الّذي تُوئِسُه (a)، فإنَّهُ قد لَحَّ، فأذِنَ له، فلمَّا رآهُ قال: أَعَهدْتَني خائنًا لا أبا لَكَ؟ قال: أنتَ سيِّدُ هَوَازِن، وبَدَأنا بك، وعُمَالَتُك خمسُمائة ألفٍ في كُلِّ سَنَة، وما بِكَ بَعْدَها إليّ خيانَة، قال: أشْهَدُ أنَّ اللهَ وفَّقك، وأنَّك نظَرْت بنُور اللهِ، فلكَ نِصْفُها العَام، فأَعطَاهُ وأدَّى أسْماءُ البَقِيَّة.
(a) كذا وردت ولعلها أيضًا: تؤيسه، من اليأس: وهو القنوط ضد الرجاء، أو من الأوْس وهو العطاء، وفي لغة هَوَازِن أن معنى يأس عندهم: عَلِم، فتكون: أن تعلمه. انظر: لسان العَرَب، مادة: ياس.