للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمِّ اسْتَأذَن الحَجَّافُ في الحَجِّ، فأذن له في ذلك مع الجلَّةِ من الشُّيُوخ الّتيَ شَهِدت الوَقْعَة وفعَلُوا الأفاعيْل، فخَرَجُوا وقد أبَرُوا آنُفَهم -يَقُول: خَزَمُوْهَا- يمشُونَ من الشَّام مُحْرِمين يُلَبُّون، فلمَّا قَدِمُوا المَدِينَة خَرَجَ أهْلُ المَدِينَة يَنْظرونَ إليهم ويتعَجَّبُون منهم، فلمَّا قَدِمُوا مَكَّةَ، تَعَلَّقُوا بأسْتَار الكَعْبَة، فقالوا: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لنا وما أُرَاكَ تفعَلِ! فقال ابنُ عُمَر: يأْسُكُم من قَبُول التَّوْبَة أشَدُّ عليكم من ذُنُوبكُم، فقيل له: هذا الجَحَّاف وأصْحَابُهُ، فَسَكَت وتَمَّ ذلك الصُّلْح.

قلتُ: قَوله في هذا الخَبر ودِمَشْق في قِبْلةِ البشْر، يُريدُ في السَّمْت، لا أنَّها على قُرْبٍ منه، فإنَّ بين دِمَشْق وبين البِشْر ثمانية أيَّامٍ.

وقد ذَكَرَ الصِّمَّةُ بن عَبْدِ اللهِ القُشَيْرِيُّ جَبَل البِشْر في شِعْره، فقال (١): [من الطويل]

ولَمَّا رأيْتُ البِشرَ قد حَالَ (a) دُوْنَنا … وأَضْحَتْ (b) بَنَاتُ الشَّوْق يَحْنِنَّ نُزَّعَا

تَلَفَّتُّ نحو الحيِّ حتَّى وَجَدْتُنِي … أَلمتُ (c) من الإصْغَاءِ ليتًا وأخْدَعَا

وقَرَأتُ في كتاب مُعْجَم ما اسْتَعْجَم لأبي عُبَيْد البَكْرِيّ (٢): البِشْر بكَسْرِ أوَّلهِ على لَفْظِ البِشْر الّذي هو الاسْتِبْشَار، قال عُمَارَة بن عَقِيْل: البِشْرُ هو عَاجِنَةُ الرَّحُوبِ مُتَّصَلُ بها، وسُمِّيَ البِشْرَيَ برَجُلٍ من النَّمِر بن قَاسِط؛ كان يَخْفِرُ السَّابلَة يُسَمَىَّ بِشْرًا، يَقطَعُهُ مَنْ يُريدُ الشَّام من أرض العِرَاق، بين مَهَبّ الصَّبَا والدَّبُور، مُعْتَرِضعًا بينهما، يُفْرغُ سُيُولَهُ في عَاجِنَةِ الرَّحُوب، وبينهما فَرْسَخٌ، والبِشْرُ في قِبْلةِ عَاجِنَة الرَّحُوب، وبين عَاجِنَة الرَّحُوب وبين رُصَافَةِ دِمَشق ثلاثة فَرَاسِخ. وفي البِشْرِ قَتَلَ الجَحَّافُ بن حَكِيم بَني تَغْلِبَ، فهو يَوْمُ البِشْر، ويَوم الرَّحُوب،


(a) ديوان الصمة: رأيت النير أعرض.
(b) الديوان: وجالت.
(C) الديوان: وجعت.

<<  <  ج: ص:  >  >>