للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السَّاعَةَ، وبَعِيْري مَعْقُول ياب المَسْجِد، فلمَّا أنْ تكلَّم عَرَفْتهُ، فقُلتُ: أنْتَ عُمَر بن عَبْد العَزِيْز؟ قال: نعم، فقُلتُ له: تاللَّهِ لقد كُنْتَ عندنا بالأمْسِ بخُنَاصِرَة أميرًا لعَبْد المَلِكِ بن مَرْوَان، فكان وَجْهُكَ (a) وضِيًّا، وثَوْبُكَ نَقيًا، ومَرْكَبُكَ وطيًّا، وطَعَامُكَ شَهيًّا، وحرَسُكَ شَدِيْدًا، فما الّذي غَيَّر بك وأنت أَمِيرُ المُؤْمِنِيْن؟ قال لي: يا أبا حَازِم، أُناشدُكَ اللَّه ألَّا حَدَّثتني الحَدِيْث الّذي حدَّثْتَني بخُنَاصِرة، قُلْتُ لهُ (b): نَعَم، سَمِعْتُ أبا هُريرَهَ يقُول (١): سَمِعْتُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم يَقُول: إنَّ بين أيدِيْكم عَقَبَةً كَؤودًا لا يُجاوزُها (c) إلَّا كُلّ ضَامِر مَهْزُول.

قال أبو حَازِم: فبَكَى أَميرُ المُؤْمنِيْن بُكَاءً عَاليًا حتَّى عَلَا نَحِيْبُه، ثُمَّ قال: يا أبا حَازِم، أفتَلُومني أنْ أُضْمِّرَ نَفْسِي لتلكَ العَقَبَةِ لعَلِّي أنْ أنْجُوَ منها وما أَظُنِّي منها بنَاجٍ.

قال أبو حَازِم: فأُغْمِي على أَمِير المُؤْمنِيْن، فبَكَى بُكَاءً عَاليًا حتَّى عَلا نَحِيْبُه، ثمّ ضَحِكَ ضَحكًا عَاليًا حتَّى بَدَت نَوَاجِذُه، وأكْثَر النَّاسُ فيهِ القَوْل، فقُلتُ: اسْكتُوا وكُفُّوا؛ فإنَّ أَمِيرَ المُؤْمنِيْن لَقِي أمرًا عَظيْمًا.

قال أبو حَازِم: ثُمَّ أفاقَ من غَشْيَته، فبدَرْتُ النَّاس إلى كَلامِهِ، فقُلتُ لَهُ: يا أَمِيرِ المُؤْمنيْن، لقد رَأينا منْكَ عَجَبًا؟ قال: ورَأيْتُمِ ما كُنْتُ فيهِ؟ قلتُ: نعم، قال: إنِّي بينما أَنا (d) أُحَدِّثكم إذ أُغْمِي عليَّ فَرأيْتُ كأنَّ القِيامَةَ قد قامَتْ، وحَشَرَ اللَّهُ الخَلائِقَ، وكانُوا عِشْرين ومائة صَفّ، أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم من ذلك ثَمانُون صَفًّا، وسَائر الأُمَمِ من المُوَحِّدِين أرْبعُون صفًّا، إذ وُضع الكُرْسِيُّ، ونُصِبَ المِيْزَانُ، ونُشِرَت الدَّوَاوِيْنُ، ثُمَّ نَادَى المُنَادِىِ: أين عَبْد اللَّه بن أبي قُحافَة؟ فإذا


(a) حلية الأولياء: وجبك!.
(b) ساقطة من م.
(c) حلية الأولياء والبداية والنهاية: يجوزها.
(d) ساقطة من م.

<<  <  ج: ص:  >  >>