للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَكَي لي عَمِّي أبو المَعَالِي عبدُ الصَّمَد بن هِبَةِ اللَّه، قال: كان للشَّيْخ أبي الحَسَن حَميْرٌ، فكان يُرْسلُهَا بُكرةً فتَخْرج إلى تَلّ عَرَن؛ قَرْيَةٌ بالنُّقْرَة، وليسَ معها أحَدٌ، فتَرْعَى ثُمَّ تَجيءُ إلى مَنْزِله سالِمةً وقد شَبعَتْ.

قال لي أبي رَحِمَهُ اللَّهُ: وكان يَسُوق حَمِيرَهُ هذه بينَ يَدَيْهِ، فإذا جاءَ إلى مفْرَق طُرُق صَاح فيها: خُذي يَمينًا فتأخُذ يَمِينًا، وإن قال: خُذِي يَسَارًا أخَذَتْ يَسارًا، وإنْ قال: شَرْقًا أو غَرْبًا فَعَلَتْ ما يَقُول.

قال لي وَالدِي: وسَيَّرتْ إليه خَاتُون زَوْجَة (a) قَسِيم الدَّوْلَة أتَابِك زَنْكِي شُقَّة أَطْلَس ليُفَصِّلها لامرْأتهِ، فاسْتَدْعَى خَيَّاطًا وفَصَّلَها سَرَاويْلَات لَحِميره. وكان تَعمَّد (b) مثل ذلك ستْرًا لحاله.

وسَمِعْتُ أبا الفَضْل مُحَمَّد بن أبي البَرَكَات بن قُرْنَاص (c)، الصَّالِج ابن الصَّالِح يَقُول: بَلَغَني أنَّ الشَّيْخ أبا الحُسَيْن الزَّاهِد دَخَلَ على الشَّيْخ أبي البَيَان الزَّاهِد فأعْطَاهُ أُبْلُوجًا من السُّكَّر، فأخذَهُ منه ولَم يَردّه، وخَرَجَ من عنده فدَفَعَهُ إلى أصْحَاب الشَّيْخ أبي البَيَانِ، فقالُوا له: خُذْه فإنَّ الشَّيْخَ أعْطَاكَ إيَّاهُ، فقال: أيْشٍ أعْمَلُ به؟ أنا لا يَأكُل حِمَاري سُكَّرًا!.

وأخْبَرَني القَاضِي شَمْس الدِّين أبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن يُوسُف بن الخَضِر إنْ شَاءَ اللَّهُ، قال: حَجَّ الشَّيْخُ أبو الحُسَين الزَّاهِدُ إلى مَكَّة، حَرَسَها اللَّهُ (d)، على ثلاثة (e) حَمِير، وكان إذا ضَجرَ نامَ عليها مُعْتَرضًا، ويَصُفُّها صَفًّا ويَجْعَل رأسَهُ على حِمَارٍ، ووسَطه على آخر، ورِجْليهِ على آخر، وتَمشِي به كذلك، لا يتقدَّم أحدٌ منها على الآخر، ولَم يطلُبْ من أحدٍ في الطَّريق لها عَلَفًا، وكان يُعَلّقِ عليها المَخَالِي، قال: فمدَّ بعضُ النَّاسِ يدَهُ إلى مِخْلَاةٍ منها، فوجَدَ (f) فيها رَمْلًا.


(a) م: زوجها.
(b) م: يعتمد.
(c) م: ابن أبي البركات الفرناص!.
(d) م: حرسها اللَّه تعالى.
(e) الأصل: ثلاث.
(f) م: إليها يده في المخلاة فوجد.

<<  <  ج: ص:  >  >>