للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلتُ: ذَاكَرْتُ بهذه الحِكايَة الشَّيْخَ الفَقِيه مُحَمَّد اليُوْنِينيّ فعَرِفها، وقال: المَوِضع الّذي كان الشَّيْخ به، وجَرَى له فيه هذه القَضِيَّة، هي يُوْنِين، وهذه القَرْيَة خَرج منها جَمَاعَة من الصَّالِحين، ودَخَلْتُها غير مَرَّة.

أخْبَرَني عَمِّي جَمال الدِّين أبو غَانِم بن هِبَة اللَّه، قال: حَدَّثني الشَّيْخُ أبو مُحَمَّد بن الحدَاد الحَلَبِيُّ، قال: حَدَّثني الشَّيْخُ أبَو الحُسَين الزَّاهِدُ، قال: كُنْتُ يَوْمًا بالقُحْوَانَة (a) فصَادَفْتُ جَمَاعَةً من خَيَّالةِ الفِرِنْج وهم يَشْربُونَ، فجئتُ إلى قَرْيَةٍ من قُرَى المُسْلمِيْن الّتي تُجَاورهم وتَقْرُب منهم، فقُلْتُ لهم: تَعالُوا حتَّى أُعطيْكُم خُيُول الفِرِنْج (b)، قال: فأخَذْتهم وجئتُ بهم إلى المَوضِع، والفِرنْج قد نامُوا سُكَارَى، فانْتَقَيْتُ لهم أرْبَعيْنَ حِصَانًا من خِيَارِ خُيُولِهم، وسَلَّمتُها إليهم، فأخَذُوها ومَضَوْا، فانْتَبه الفِرِنْج فلمْ يَجِدُوا خُيُولهم، فافْتَكرُوا وقالوا: انظرُوا المَجْنُونَ لا يكون هَا هُنا، قال: ففَتَّشُوا عليَّ إلى أنْ رَأوْني، فقالوا: أين خُيُولنا؟ فقُلْتُ لهم: عندي قد رَبَطتُها لم تَأكُل (c)، قال: فقالوا لي: تعال أَرِنا إيَّاها، قال (d): فأخَذْتهم وجَعَلْتُ أصعَدُ بهم جَبَلًا وأنْزِل وَادِيًا إلى أنْ عَلَمْتُ أنَّ المُسْلميْنَ قد وصَحلُوا بالخُيُولِ إلى مَأمَنِهم، فجئْتُ بهم إلى مَغَارة هناك، فأدْخَلْتُهم إليها وقُلتُ: ها هي ذه (e) خُيُولُكُم، وكُنْتُ قد ربطَتُ قَصَبًا على مَعَالفَ وجَعَلْتُ بينَ يَدَيْهِا تِبْنًا ورَبَطْتُها، ثُمَّ قال: فنَظَرُوا إلى ذلك وصَلَّبُوا على وُجُوهِهِم، وقالُوا: عَمِل علينا هذا المَجْنُون، ولَم يتعرَّضُوا لي بسُوْءِ.


(a) كذا قيَّدها في الأصل، ومثله عند ابن القلانسي في ذيل تاريخ دمشق (٧٣ - ٧٤، ٩٦، ١٨٤ - ١٨٥)، وذكرها ابن القلانسي على الوجهين: القحرانة والأقحوانة؛ بما يدل على أنها واحدة، وهي قرية بالأردن من شاطئ بحيرة طبرية (ياقوت: معجم البلدان ١: ٣٣٤)، عدم الكلام عليها في محاربة الفاطميين لصالح بن مرداس وأعوانه.
(b) م: الإفرنج.
(c) ساقطة من م.
(d) مكررة في الأصل.
(e) م: ها هي فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>