للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المِرْجَل الّذي لك ليَطْبُخَ فيه رُبًّا، وكانت تلك القَرْيَة على فَرَاسِخ من ذلك المَوضِع الّذي هو فيه، قال: فقُلتُ لَهُ: يا شَيْخ، المَوضع بَعِيدٌ، والطَّريق مَخُوفٌ، وفيه السِّبَاع والفِرِنْجِ! فقال لي: ما عليكَ بأسٌ، إرْكَب حِمَاري وخُذْ عَصَاي وامْضِ؛ فإنَّ السِّبَاع متى رَأتْ حِمَاري (a) وعَصَاي لا تَعْتَرضُكَ وكذلك الفِرِنْج.

قال: فأخَذْتُ العَصَا، ورَكبتُ الحِمَار، ومَضَيْتُ، فَجَعَلَتِ السِّبَاعُ تَمُرّ بي فأُريها عَصَا (b) الشَّيْخ، وتَرَى حِمَارَهُ تحتي فلا تَلْوِي إليَّ وتَمْضِي لشَأنها، ولَقِيني جَمَاعَة من الفِرِنْج، فوَجَدْتُ منهم من الخَوْف شيئًا عَظيْمًا، فلمَّا رأوا الحِمَار والعَصَا عَرفوهُما، فلَم يُؤذنِي أحدٌ منهم.

وجِئْتُ إلى القَرْيَةِ، وأنا على غَايةٍ من الخوف الّذي أصَابَني، فقُلْتُ لذلك الرّجُل: الشّيْخ يُسَلِّم عليكَ ويُقول: خُذْ المِرْجَلَ الّذي لك وَجئْ إليه، فقال لي: الشَّيْخ مَقْصُودُه المِرْجَل، وما له حَاجةٌ فيَّ أنْ يُعَنِّيَني في هذا الطَّريق، وما أظُنُّه قال لك في أنْ أجيءَ؟! فقُلْتُ لِمَا غَشِيَني من الوَحْشَة في الطَّريق والجَزَع: بلى، قال لي: يأخُذه ويَجيء، فجاءَ صُحْبَتي إلى المكانِ الّذي به الشَّيْخُ، ووَضَعْتُ المِرْجَل على رَأسي لأسْتَظِلَّ بهِ من الحَرِّ، فلمَّا جئْتُه قال لي: وما الّذي حَمَلَك على أنْ تُعَنِّي الرّجُل إلى هَا هُنا؟ فقُلْتُ: ما وَجَدْتُه في الطَّريق من السِّبَاع والفِرِنْج! فقال لي: أوَلَم يَكْفك ما شَاهَدْته في طَرِيقكَ؟! وما الّذي يُؤمنُكَ أنْ يكُون في المِرْجَلِ عَقْربٌ تَلْدغكَ السَّاعَة؟ قال: فما اسْتَتمَّ الشَّيْخُ كَلامَهُ حتَّى لَدَغَتْني (c) عَقْرَبٌ بين عَيْنيَّ، وسَقَطت لوَجْهي، وبَقِيْتُ مَطْرُوحًا ساعَةً حتَّى جاء الشَّيْخ وأَمَرَّ يدَهُ على المَوضِع فسَكَن وقُمتُ.


(a) من قوله: "وخذ عصاي. . . " إلى هنا ساقط من م.
(b) م: عصاة.
(c) م: لسعتني.

<<  <  ج: ص:  >  >>