للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فذَهَبتِ الطَّائِفتانِ إلى القَاضِي تَاج الدِّين الكَرْدَرِيّ، وهو إذْ ذاكَ يَتَولَّى القَضَاءَ والفُتْيَا بحَلَب، فسألُوه عن هذه الوَاقِعَة، وعن وُقُوع الطَّلَاقِ وعَدَم وقُوعهِ، فقال: اذْهَبُوا إلى الشَّيْخ أبي الحُسَين فهو يُفْتِيكم فيها، وهو أخْبَرُ بها، فذَهَبُوا إليه، فقال للّذين حَلَفُوا أنَّهُ لَم يُصَلّ: أرَأيْتُموني أُصَلِّي؟ قالوا: لا واللَّهِ، قال: فاذْهَبُوا فإنَّكُمُ لَم تحنَثُوا، وقال للّذين حَلَفُوا أنَّهُ صَلَّى: أرَأيْتُموني صَلَّيْت؟ قالوا: نَعم، قال: اذْهَبُوا فإنَّكُم لَم تحنَثُوا، فعَادُوا جَمِيعًا إلى الكَرْدَرِيّ وذَكَرُوا له ما قال، فقال: أفْتَاكُم بالحَقِّ.

وحَدَّثَني عَمِّي أبو غَانِم، قال: قال لي أبو مُحَمَّد بن الحَدَّادِ: كُنْتُ لا أرَى أبا الحُسَين الزّاهِد يُصَلِّي، وكان إذا حَضَر وَقْتُ الصَّلاةِ يُنَادِيني: أبو مُحَمَّد قُم إلى الصَّلاة، فأقُوم إلى المَسْجِد وأُصَلِّي بجَمَاعَةِ المَسْجِد، ففَكَّرْتُ ذات يَوْم فيهِ، وكُنْتُ أُرِيْدُ أنْ أَرْتَقِبَهُ في وَقْتِ المَغْرب فإنَّهُ أضْيَقُ الأوْقَاتِ، قال: فلمَّا حان وَقْتُ المَغْرب وأذَّنَ المُؤذِّن، قال لي: قُمْ إلى الصَّلاةِ، فقُلتُ لَهُ: نعم، وتَباطئْتُ فنَادَاني الثَّانيَةَ، فقُلتُ لَهُ: نَعَم وتَغافَلْتُ، فنَاداني الثَّالثة وهو مُنْزَعجٌ، فقُلتُ لَهُ: نَعَم، وتَغَافَلْتُ، فالْتَفَتَ إليَّ وهو مُنْزَعجٌ وقال لي: يا مَيْشُوم (a)، أنا أُرِيْدُ أنْ أكُونَ مثْلَ الكَلْبِ يُخْسَأُ ولا يرْجَى، ثمّ تَرَكَني ومَضَى.

وحَدَّثَني عَمِّي أبو غَانِم، وقاضي العَسْكَر مُحَمَّد بن يُوسُف أنَّ الشَّيْخِ أبا الحُسَين حَجَّ في بعضِ السِّنِيْن من دِمَشْق، فسَيَّرَ معه بعضُ أهْل دِمَشْقِ وَدِيْعَةً جَامَدَانًا فيه قُمَاش، وكتَاب إلى صَاحِبهِ إِلى مَكَّة، حَرَسَها اللَّهُ، قالا: فلمَّا خَرَجَ أبو الحُسَيْن من دِمَشْق ألْقَى الجَامَدَان ومَضَى، فظَفِر به بعضُ الحُجَّاج فَحَمَلَهُ وجاءَ بهِ إلى مَكَّة، فنَزَلَ ذلك الرَّجُل بمَكَّة، وأوْدَعِ الجَامَدَان عند صَاحِبهِ الّذي أُرْسِل إليهِ، فنَظَر إلى الجَامَدَان فعَرفه ففتَحَهُ فوجَد فبه قُمَاشَه ووَجَدَ فيهِ كِتَابًا من الرَّجُل


(a) كذا في الأصل وفوقه "صـ"، وهو من كلام العوام، صوابه: مشئوم. الصفدي: تصحيح التصحيف ٥٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>