للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَمِعْتُ سَيْفَ الدِّين مُوسَى ابن شَيْخنا مُحَمَّد بن رَاجِح المقدِسِيّ يقُول لي بحَلَب: حَكَى لي الفَقِيه يَعْقُوب الزَّنْكَلُونيّ، من أصْحَاب الشَّيْخ عُثْمان بن مَرْزُوق، عن صَاحِب الشَّيْخ أبي الحُسَين الزَّاهِدِ أنَّهُ قال: سَافَرْتُ أنا والشَّيْخ أبو الحُسَين، رَحِمَهُ اللَّهُ، من غَزَّة إلى عَسْقَلان، فاشْتَدَّ بنا الحَرُّ وعَطِشْنَا، فقال لي: يا فُلَان، تَجيء حتَّى نَزرَع مَقْثأَةً؟ فقُلتُ لَهُ: مُبَارَك، فقال: أيّما أحَبّ إليك؛ تَحْفِر أم تَزْرعِ؟ فقُلتُ: أحْفِر والشَّيْخ يَزْرَع، فَحَفَرتُ له جُوَبًا كَثِيْرةً وهو يَطْرَحُ في كُلِّ جُوْبةٍ حَصَاتَين (a) من الأرْضِ، إلى أنْ زَرَعنا شَيئًا كَثِيْرًا، ثُمَّ انْتَقَلْنا فاسْتَظْلَلْنا تحتَ شَجَرَة بَعِيدًا عن المَوضِع، فقال لي بعد سَاعةٍ: يِا فُلَانُ، اذْهَب فآتنِا من المَقْثَأةِ ببِطِّيْخ، فذَهَبْتُ فلَم أرَ شيئًا، فجئتُ إليه فأخْبَرتهُ، فقال: أنتَ ما تَعْرف تجيب البِطِّيْخ، ثُمَّ قامَ وقُمْتُ معه فأقبلْنا على المَقْتَأة فإذا هي كُلُّها لُجَّةٌ خَضْراءُ، وفيها من البِطِّيْخ شيءٌ كَثِيْرٌ، كبارٌ وصِغَارٌ، فأكَلْنا حتَّى شَبعْنا، ثمّ أخَذَ من ذلك البِطِّيْخ فوضَعَهُ في الجُرْج على الدَّابَّةِ، وحَمَلناهُ معنا إلى عَسْقَلانَ، وكان قد أصَاب أهْلَ عَسْقَلان مَرَضٌ، فما أكَل أحدٌ من أهْلِ عَسْقَلان قِطْعَة إلَّا وبَرَأ من ذلك المَرَض.

قال لي مُوسَى: وحَكَتْ لي سِتِّي أُمُّ الشَّيْخِ عُمَر زَوْجَةُ الشَّيْخِ أبي عُمَر، قالت: جَاءَ الشَّيْخُ أبو الحُسَين إلينا لَيْلًا بمَرْدَا، قَرْيةٍ من نابُلُسٍ، في وَقْتٍ باردٍ فقَعَد عند جَمَاعتِنا ساعَةً وبين أيديهم نارٌ يَصْطَلُونَ بها، ثمّ نهَضَ قائمًا، فقالوا له: يا سَيِّدِي، أين تَمْشِي في هذا الوَقْت المُظْلِم البَارِد؟ فقال: أنا آخُذُ من هذه النَّار وأسْتَضِيءُ بها، فأخَذَ قِطْعَةً من حَطَب الزَّيْتُون وهي تَشْتَعِلُ من تلك النَّار كَبِيرة، ووَضَعَها في ثَوْبهِ، ثُمَّ اسْتَضَاء بها فلم يَحْتَرق الثَّوبُ، وأخَذَها وذَهَبَ.


(a) الأصل: حصانين، م: حصانين عن.

<<  <  ج: ص:  >  >>