النَّحْر من مَكَّة عَمَّرَها اللَّه، وقد عَلِمْنا أنَّهُ لا يَصِلُ إلى مَطَاره في يَوْمه، فمَنْ وَقَع عندَهُ فليُكْرم مَثْوَاه، ويأخُذُ ما في رِجْلَيْهِ حَلَالًا ويُطْلقهُ، فكَتَبَ القَاضِي المُقَدَّم ذَكَرَهُ أبو غَانِم عَبد الرَّزَّاق في ظَاهِر الكتابِ هذه الأبْيَات:[من الرجز]
للَّهِ ما أحْمَلَكَ الرَّسَائِلَا … ليسَ على قلبٍ بَلَى على كُلَا
غَدَوْتَ مَحْمُولًا وعُدْتَ حَامِلا … أنْمُلَةً تَصْدُرُ عن أَنَامِلا
وذُكِرَ أنَّ الطَّاِئِر كان من حَلَب من حَمَام ابن صَعْصَعَة.
هكذا وَجَدْتُ هذه الأبْيَات مَنْسُوبَةً في هذا الجُزء إلى أبي غَانِم عَبد الرَّزَّاق، ووَجَدْتُها في مَوضعٍ آخر مَنْسُوبَةً إلى أبي يَعْلَى بن عَبدِ الرَّزَّاق.
وقَرَأتُ في وَرَقَةٍ وَقَعَتْ إليَّ بخَطِّ بعض الحَلَبِيِّيْن، وأظُنُّه شَمْسَ الدِّين مُحَمَّد بن خَالِد بن القَيْسَرَانِيّ، وصُورة المَكْتُوب فيها: أَخذْت هذه الوَرقَة من الأُسْتَاذِ أبي المَعَالِي بن البَدَوِيّ، ورَوَى لي أنَّ ما في بَاطِنها صَحِيحٌ عن منْ رَوَاهُ له، عن المَشَايخ، عن المَذْكُور في بَاطِنها بالمَعَرَّة المَعْرُوفة بالنُّعْمان في مَدِينَة حَلَب، حَمَاها اللَّه، وفي بَاطِنها مَكْتُوب ما نُسْخَتُه:
بِسْمِ اللَّه الرَّحْمن الرَّحِيْمِ؛ حَكَى لي القَاضِي أبو حَصِيْن عَبْد البَاقِي بن المُحَسِّن بن عَبْد البَاقِي بن أبي حصِيْن بالمَعَرَّة في سَلْخ صَفَر سَنَة إحْدَى (a) وثَمانين وخَمْسِمائَة عن وَالدِه وأعْمَامهِ، وهُم القَاضِي أبو البَيَان مُحَمَّد بن عَبد الرَّزَّاق بن أبي حَصيْنِ، وأبو الفَتْح المُفَضَّل بن عَبد الرَّزَّاق، وأبو القَاسِم المُحَسِّن في عَبْد البَاقِيّ، أنَّهُ وَقَعَ في دَار القَاضِي أبو حَمْزَة بن أبي حَصِيْن بالمَعَرَّة قبل هَجْم الإفْرَنْج لها، طَائِرُ حَمَام، الظُّهْر من يَوْم الجُمُعَة، وكان يَوْم عِيْد النَّحْر، سَقَط على جُرْن فيه ماءٌ