للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأخْبرَني الرَّئِيس إبْرَاهِيْم بن الفَهْمِ، رَئيس مَعَرَّة النُّعْمَان، قال: كان في مَعَرَّة النُّعْمَان عَمُود فيه طِلَّسْم للبَقِّ، قال: وذَكَرَ أهْلُ المَعَرَّة أنَّ الرَّجُل كان يُخْرج يدَهُ وهو على سُور المَعَرَّة إلى خارج السُّور فيَسْقُط عليها البَقُّ، فإذا أعادَها إلى داخل السُّور زالَ عنها.

قال لي: وأخْبَرَني رَجُلٌ من أهْل المَعَرَّة يُسَمَّى مُحمَّدًا، قال: رأيتُ أسْفل عَمُودٍ في الدَّار الِّتي كُنْتُ بها في مَعَرَّة النُّعْمَان ففتحْتُ مَوضِعَهُ لأسْتَخرجه، فانْخرقَ إلى مَغَارة، فأنْزَلْتُ إليها إنْسانًا -أو قال: نَزَل هو بنَفْسه- ظَنًّا أنَّه مطلَبٌ، فوَجَدنا مَغَارةً كبيرةً، ولم نَجِد فيها شيئًا، قال: ورَأَى فيها في الحائط صُورَةَ بَقَّةٍ، قال: فن ذلك اليوم كثُر البَقُّ بمَعَرَّة النُّعْمَان.

وقد قال أبو عمرو القَاسِم بن أبي دَاوُد الطَّرَسُوسِيّ في قَصِيدَة الأعْلَام، في وَصْف أَنْطاكِيَة، وقد قدَّمنا ذِكْره: [من الرجز]

والبَقُّ لا يَدْخُلُها ويتَّصل … لكن بها فأر عَظيم كالوَرَل

وقال في تفْسير هذا البيت: ولا يَدخُلُها البَقُّ، ومَنْ خَرَجَ منها آذَاهُ البَقُّ، وهي كَثِيْرةُ الفَأْر.

وسَمِعْتُ والديّ، رَحِمَهُ اللّه، وغيره من الحَلَبِيِّين، يقُولُون: لَم نَسْمَع بأنَّ حَيَّةً من الحَيَّات الّتى دَاخل مَدِينَة حَلَب لَدَغَتْ أحدًا فمات من لَدْغتها. قال لي والدي رَحِمَهُ اللّه: ويُقالُ إنَّ بها طِلَّسْمًا للحَيَّاتِ، وقيل إنَّهُ ببُرْج الثَّعَابِين في الزَّاويَةِ الّتي عندَ باب الفَرَادِيْس المُسْتَجَدَّ.

وبَلَغَني أنَّ جَمَاعَة في زَمَاننا لَدَغَتهُم حَيَّاتٌ دَاخل مَدِينَة حَلَب، ولم تُؤْذِهمِ كجاري العَادَة، وأنَّ المَلْدُوغِ لا يبقى بالألم إلَّا أيَّامًا يسيرةً ويَبْرأ، والعَجَبُ أنَّ حَيَّات بَانَقُوسَا خارج المَدِينَة لا تَلْدَغُ أحَدًا إلَّا ويموتُ في الحالِ، وحَيَّات المَدِينَة كما ذَكَرنا، وهذا لُطْفٌ من اللّه عَزَّ وجلَّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>