للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى الحَمَّة، والحَمَّةُ بقَرْيَة يُقالُ لها جَنْدَارِس، ولها بُنْيانٌ عَجيبٌ مَعْقُودة بالحِجَارَة، يأتيْهَا النَّاسُ من كُلِّ الآفاق، فيَسْبَحُونَ فيها للعِلَلِ الّتي تُصِيْبهُم، ولا يُدْرَي من أين يَجيءُ ماؤُها ذلك الكِبْرِيِتيُّ، ولا أينَ يَذْهَبُ.

وقَرَأتُ في كتاب أخبار البُلْدَان، تأليفُ أحْمَد بن مُحمَّد بن إسْحَاق الهَمَذَانِيّ، المَعْرُوفُ بابنِ الفَقِيهِ، قال (١): وعلى سَبْعَة أمْيالٍ من مَنْبِج حَمَّةٌ، عليها قُبَّةٌ تُسَمَّي: المُدِيْر، وعلى شَفِيرها صورةُ رَجُلٍ من حَجَرٍ أسْوَد، تَزْعَمُ النِّسَاءُ أنَّ كُلّ مَنْ لا تَحْبَلُ منهُنَّ إذا حَكَّتْ فَرجَها بأَنْف تلكَ الصُّورَة حَبِلَتْ. وبها حَمَّامٌ يُقالُ لهُ حَمَّامُ الصَّرانِيّ (a) في وسَطهِ صُورةُ رَجُلٍ من حَجَرٍ يخرجُ ماءُ الحَمَّام من إحْليلِهِ.

أخْبَرني بَهَاءُ الدِّين أبو مُحمَّد الحَسَنُ بن إبْراهِيم بن الخَشَّاب، رَحِمَهُ الله، قال: أخْبَرَني ابنُ الإكْلِيليِّ المُنَجِّم الحَلَبيِّ، قال: لمَّا حُفِرَ بالمَسْجِد الجامِع بحَلَب مَوضِع المَصْنَع للماءِ، وُجِدَ فيه صُورَةُ أسَدٍ من الحَجَر الَأسْوَد، وهو مَوْضُوع على بلاطٍ أسْودَ، ووَجْهه إلى جِهَةِ القِبْلَةِ، قال: فاسْتَخْرجُوه من مكانه، فجرى بعدَ ذلك ما جَرَى من خَراب جامِع حَلَب؛ إمَّا بالزَّلْزَلَةِ وإمَّا بالحَرِيق.

قُلتُ: ووَقَعَ مثل ذلك في زَمَاننا، في أيَّام دَوْلة المَلِك العَزِيز مُحمَّد بن المَلِك الظَّاهِر غَازِي بن يُوسُف بن أيُّوب، وأتَابِكُهُ ومُدَبِّرُ دَوْلته طُغْرِل الخَادِم الظَّاهِريّ، فجدَّدَ طُغْرِل دارًا في القَلْعَة ليَسْكنها، فلمَّا حُفِرَ أسَاسُها، ظَهَرَ في ما حَفَرُوه صُورة أسَدٍ من حَجرٍ أَسْوَد، فأزالُوهُ عن مَوضِعه، فسَقَط بعد ذلك الجانب القِبْليّ من أسْوار قَلْعَة حَلَب، وانْهَدَمَ من سَفْح القَلْعَة قِطْعة كبيرة.


(a) البلدان لابن الفقيه: الصوابي.

<<  <  ج: ص:  >  >>