للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاتَّفَق أنْ حَضَر مُقَدِّم قَرْيَة كَفْر نَجِد عند عَمِّي أبي المَعَالِي، وذَكَرَ له خَاصِّيَّة هذه البئر، فجاء عمِّي وذَكَر لوالدِي ذلك، فقام في الحالِ ورَكِب، وسَارَ بي إلى كَفْر نَجِد، فوصَلْناها آخر النَّهَارِ قبل المَغْرب، وخرج بي إلى البئر، وشَرِبْتُ من مائها مرارًا، وعُدْتُ إلى القَرْيَة، وألْقَيْتُ من الدَّمِ شيئًا كَثِيرًا، وغَلَبني النَّوم لِمَا نالَني من التَّعب، فأغْمضت، فخرجَتْ العَلَقَةُ من حَلْقي إلى فَمي فوجَدَتْهُ مُطبَقًا، فطلبت مَنْفَسَ الهَوَاءِ وأنْ تخرج من خيشُومي، فانتَبَهْتُ، وفَتَحْتُ فمي، فَنَزَلَتْ إليه، فأخرجتُها من فمي وهي بِمِقْدَار الإصْبَع الطَّويلة بعدَ أنْ ألقَتْ ما كان في جَوْفها من الدَّمِ.

وفي أعْمَال حَلَب عِدَّة حَمَّاتٍ تَنْفَعُ من البَلَاغِم والرِّيَاح وكَثِير من الأدْواءِ، فمنها حَمَّةٌ في السُّخْنَة (١) من عَمَل المَنَاظر (٢) من ناحيةِ قِنَّسْرِين، ماؤها في غاية الحَرارة، وأهلُها يَغْتَسلُونَ فيها ويَتَعَوَّضُونَ بها عن الحَمَّام، وذَكَرَ لي جَمَاعَة من أهْلها أنَّهم يَنْتفعُونَ بها من الرِّيح والبَلْغَم والحَبّ، ونَزَلْتُ إليها واغْتَسلْتُ فيها.

وذُكِرَ لي أنَّ بناحيَةِ العَمْق حَمَّة أُخْرى يَتَداوَى بها النَّاسُ أيضًا.

وذَكَرَ أحمد بن أبي يَعْقُوب بن وَاضِح الكَاتِب، في كتاب البُلْدان، وَعَدَّ کور قِنَّسْرِين والعَوَاصِم، وقال (٣): وكُورَة الجُومَة، وبها العُيُونُ الكِبْرِيتِيَّة الّتي تَجْرِي


(١) السخنة: بلدة في بادية تدمر بمحافظة حمص، تقع عند نهاية امتداد سلسلة جبال تدمر باتجاه الشمال والشرق، فيما بينها وبين جبل البشر، وتبعد عن مدينة تدمر مسافة ٧٥ کم باتجاه الشمال الشرقي، ولا زال النبع الكبريتي الساخن يتدفق بجوارها في ناحية الجنوب من البلدة، ومنه استمدت تسميتها بالسخنة. طلاس: المعجم الجغرافي ٣: ٦٠٤ - ٦٠٥.
(٢) المناظر: موضع في برية الشام قرب عُرض. (ياقوت: معجم البلدان ٥: ٢٠٣)، وظاهر كلام ابن العديم أعلاه يشير إلى صقع أو عمل واسع لا إلى موضع محدد، ومع ذلك فتوجد اليوم بسوريا قرية تسمى مناظر الجرف تتبع ناحية منبج بمحافظة حلب، وتبعد عن مدينة منبج نحو ١٨ كم نحو الجنوب الغربي. طلاس: المعجم الجغرافي ٥: ٣٤٨.
(٣) ضمن الضائع من كتاب البلدان لليعقوبي.

<<  <  ج: ص:  >  >>