للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلتُ: فقد تَواطأ ابن المُهَذَّب والعُظَيْميِّ على أنَّ هذا كان في سنَة سَبْعٍ وستِّين! وليس الأمْر كذلك؛ بل كان فَتْح سُلَيمان بن قُطَلْمِش أَنْطاكِيَة في سَنَةِ سَبْعٍ وسَبْعِين وأرْبَعِمائة، والظَّاهر أنَّ ابن المُهَذَّب نَقَلَ ذلك وطَغَى القَلَمُ في سَنَة سَبْع وسَبْعِين وستِّين، فكتبه على الغلَط، ونَقَل العُظَيْميُّ ذلك من تاريخه على الغَلَط، والصَّحيح ما ذكَرَهُ حَمْدَان بن عَبْد الرَّحِيم الأثارِبيّ في أخْبار الفِرِنْج (١)، وقرأتُهُ بخَطِّ الرَّئِيس يَحْيَى بن المِرَاوِيّ الحَلَبِيّ، وذَكَرَ أنَّه نَقَلَهُ من خَطِّ حَمْدَان بن عَبْد الرَّحِيم، قال: وكان من عجائب الزَّمان أنَّ أنْطاكِيَة خرَّبَتْها زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ قَبْلَ فَتْحها بمُدَّة أربع سِنين، وسقَط من سُورها عدَّةُ أبْرِجَةٍ.

حَكَى القَاضِي حَسَنُ بن المَوْج الفُوعيّ، قال: كُنْتُ قد هَرَبْتُ من المِجَنّ (٢) ووصَلتُ إلى أَنْطاكِيَة، وخدَمْتُ بها الأجَلّ مَسْعُود وَزير يَغِي سْغان، فتَرَكني على العِمَارَة، قال: فعُدْنا إلى ما قد أخْربَتْهُ الزَّلْزَلَةُ من السُّور فعَمرناهُ، فعَاد أحَدُ الأبْرِجَةِ هَبْطًا وعَاب، فأُشير علينا بنقَضِه، وأنْ يُقرَّر أسَاسهُ، فهَدَمْناهُ، ونَزلناهُ على آخر دِمْس في أسَاسهِ، فوَجَدْنا جُرْنًا قد انكَسَر عليه طابقٌ عظيم، فكَشَفْناهُ فَوجَدْنا فيه سَبْعَةَ أشْخاصٍ من نُحاسٍ على خَيْلٍ من نُحاسٍ، على كُلِّ واحدٍ ثَوْبٌ


(١) سماه ابن العديم في ترجمة مؤلفه الأثاربي (الجزء السادس) وكذلك ابن الساعي (الدر الثمين ٣٦٣): "كتاب المُفوَّف"، وسمَّاه العظيمي (تاريخ حلب ١٤٧): "سيرة الفرنج"، وسماه ابن ميسر (أخبار مصر ١٣١): "سيرة الإفرنج الخارجين إلى بلاد الإسلام"، وهو كتاب بحكم المفقود. ووقعت لابن العديم أوراق منه، نقل منها في بعض المواضع التالية، واطّلع على مقتطفات منه من خلال بعض النقول عنه، قال في ترجمته: "ووضَع كتابًا في تاريخ حَلَب من سَنَة تِسْعين وأرْبَعِمائة، ضَمَّنَهُ أخبار الفِرِنج وأيَّامَهُم وخُروجهم إلى الشَّام من السَّنة المذكُورة وما بعدها، وسَمَّاهُ المُفَوَّف"، وزاد ابن الساعي على ما تقدم أنه انتهى فيه إلى بعد الخمسمائة، وتصحف عنوان الكتاب عند السخاوي في كتابه الإعلان بالتوبيخ ٢٦٠ والطباخ في إعلام النبلاء ١: ٣٤: القوت، وانظر للمزيد من التفصيل حول الكتاب وقيمته في دراسة عصر الحروب الصليبية: بحث عصام عقلة. المؤرخ حمدان الأثاربي (ضمن كتاب بحوث مهداة إلى محمد عدنان البخيت، الجامعة الأردنية، ٢٠١٣ م)، ١٨٤ - ١٩٣.
(٢) الأصل: المحن، وهو رئيس حلب ومقدم أحداثها، بركات بن فارس المعروف بالمجن (ت ٤٩١ هـ)، زبدة الحلب ١: ٣٣١، ٣٤٠، ٣٥٢، ٤٣١، نهر الذهب للغزي ٣: ٧٨ - ٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>