للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الزَّرَد، مُعْتَقِلًا تُرْسًا ورُمْحًا، قال: فعرَّفْتُ الأجَلّ مَسْعُود بذلكَ، فنَفَّذ ثِقَتَهُ، فأخْرج الأشْخاصَ، وكَشَفَ ما تحت الجُرْن، فلم يَجِد شيئًا سِوَاها، فحَمَل الأشخاصَ إلى الوَزِير فأخَذَها، وأحْضَرَها إلى مَجْلِس الأَمِير يَغِي سْغان؛ فقال بعضُ الحاضِرِين: لو أحْضَر الأميرُ من مَشَايخ المَدِينَة مَنْ يَكْشف لهُ حقيقةَ هذا الأمْر، فتقَدَّم بإحْضَار جَمَاعَةٍ، وأُبرزَتْ إليهم الأشْخاص وقيل لهم: تَعْرفُونَ ما هذه الأشخاصُ؟ قالوا: ما نَعْرفُ! بل إنَّنا نَحْكي للأمِير ما يُقاربُ هذا الأمْر: لنا دَيْرٌ يُعْرفُ بدَيْرِ المَلِكِ، واسِع الهَوَاءِ، عابَ علينا في سَنَة سَبْعٍ وسَبْعِين وأرْبَعِمائة، فتكسَّر أكثَرُ خَشَبِه، فَنَقَضْنَاهُ، وتَطَلَّبْنا له خَشَبًا بمِقْدَاره فلَم نَجِد بأَنْطاكِيَة وبلدِهَا شيئًا، فأشَار علينا بعضُ الصُّنَّاعِ بتَقْديم الحَائِط، فَحَفَرْنا أساسَ الحائط الجديد، فلمَّا انتَهينا إلى أسْفَلهِ، وجَدْنا أشْخاصَ أتْرَاكٍ من نُحاسٍ في أوْسَاطِهِم القِسِيِّ والنُّشَّاب، فلم نَحْفل بذلكَ، وعَمرنا الحائط، فما مَضَى لنا غير مُدَّة قَصيرة حتَّى سَرَقَ المَدِينَة سُلَيمانُ بن قُتْلَمِش (a) في أوَّل شَعْبان سَنَة سبْعٍ وسَبْعِين وأرْبَعِمائة، في أربعمائة غُلامٍ أو دُون، ومَلَكَنا كما سَمِعَ الأميرُ، وهذه الأشْخاصُ ربَّما كانت من أُمَّةٍ هذه أشْكالُهُم من العَرَب أو غيرهم من المُسْلِمِين، وَوَرَّوْا عن خَبر الفِرِنْج، وكان قد وصَلَهُم عنهم أخْبارٌ شاذَّةٌ، وما يَجْسرُ أحدٌ يَفُوهُ بها، فشَتَمَهُم يغَي سْغَان أقْبَح شَتْمٍ وقال: يا كُفَّار، في الأرْض غير الأتْرَاك؟! وأمَرَ بإخْراجهم، فما حالَ الحَوْلُ حتَّى قيل: الفِرِنْجُ قد نَزَلُوا القُسْطَنْطِينِيَّة.

هذا ما حَكاهُ القَاضِي حَسَنُ بن المَوْج، والتَّوَاريخ كُلّها مُتَّفقةٌ على أنَّ سُلَيمان بن قُطَلْمِش هَجَم أَنْطاكِيةَ في سَنَة سَبْع وسَبْعِين وأرْبَعِمائة.

وقال حَمْدَانُ بن عَبْد الرَّحِيم بعد هذه الحِكَاية، ونَقَلْتُهُ من غير خطِّ ابن المِرَاوِيّ: ومِثْل هذا أنَّ رُوْجَّار صَاحب أَنْطاكِيَة احْتاج إلى رُخَام يَسْتَعْملُه، فَذُكِرَ له أنَّ في المَوْضِع الفُلَانىّ قَصْرًا عَمرهُ المَلِكُ الّذي عَمر أَنْطاكِيَة، وأنَّ فيهِ من الرُّخَام كُلِّ


(a) كذا قيَّده مجوَّدًا، وتقدم في العديد من المواضع بالطاء عوض التاء، ويرد ضبطه وتقييده في المصادر على وجوه مختلفه.

<<  <  ج: ص:  >  >>