للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

===

لأبْنائها، فاسْتَجابَ اللهُ دُعاءه فيها، فصارَ كُلّ مَن أقام في بُقَعةِ حَلَب ولو مُدَّة يَسِيرة أحَبَّها، وإذا فارَقَها الْتَفَت وبَكَى، انْتَهَى" (١).

* * *

"ونَقَلْتُ من تاريخ كَمال الدِّين ما ذَكَرَهُ أنَّهُ قَرَأهُ بخَطِّ الشَّريْف إدْرِيْس بن حَسَن بن عليّ بن عِيْسَى الإدْرِيْسيّ، وكان له مَعْرفةٌ بالتَّاريخ، قال: أمَّا اسْم حَلَب فسَمِعْتُ فيه كَلامًا من أفْواهِ الرِّجال وأرَانيه الشَّريْفُ أبو طالِب النَّقِيبُ، أمين الدِّينُ أحْمَد بن مُحَمَّد الحُسَينيّ الإسْحَاقيّ، بخَطِّ القاضِي السَّيِّد الجَليل أَبي الحَسَن عليّ بن أبي جَرَادَة، وكان مُتَفنِّنًا، في تَعْليقٍ له، قال: إنَّ اسْم حَلَب لا شَكَّ فيه عَرَبيٌّ، وهو لَقَبٌ لتَلِّ القَلْعَة. قال: كان إبْرَاهيم الخَلِيْل عليه السَّلام إذا اشْتَمَل من الأرْضِ المُقَدَّسَة يَنْتَهي إلى هذا التَّلِّ، فيَضَعُ فيه أثْقالَهُ ويَبُثُّ رِعَاءَهُ إلى أرْضِ نَهْر الفُرَات، وإلى الجَبَل الأَسْوَد، وكان مقامه بهذا التَّلِّ؛ يَحْبس فيه بعض الرِّعَاء بما معَهم من الأغْنام والمَعْزِ والبَقَر. وكان الضُّعَفاء إذا سَمِعُوا بمَقْدَمِه أتَوْهُ من كُلِّ وَجْهٍ من بلاد الشَّمَال، فيَجْتَمعُون مع مَن اتَّبَعَهُ من الأَرْضِ المُقَدَّسَة ليَنالُوا من بِرِّهِ. فكان يأمُر الرِّعاء بحَلْبِ ما مَعهم طَرَفَي النَّهار، ويأمُر ولَدَهُ وعَبِيدَهُ باتِّخاذِ الطَّعَام، فإذا فُرِغ لهُ منه، أمَرَ بحَمْلهِ إلى الطَّريْق المُخْتَلفة بإزاء التَّلِّ، فيَتَنادَى الضُّعَفاءُ: إبْرَاهيم حَلَبَ، فيُبَادرُونَ إليه. فغَلَبَتْ هذه اللَّفْظةُ لطُول الزَّمان على التَّلِّ كما غَلَبَ غيرُها من الأسْماء على ما هو مُسَمّى به، فصارَ علَمًا له بالغَلَبَةِ" (٢).

* * *

"وقال كَمال الدِّين: سَمِعْتُ من القاضِي شَمْس الدِّيِن أبي عَبْد الله مُحَمَّد بن يُوسُف بن الخَضِر، قال: كان جامِع حَلَب يُضاهِي جَامِع دِمشْق في الزَّخْرَفةِ والرُّخَامِ والفُسَيْفِسَاءِ.


(١) السويدي: النفحة المسكية في الرحلة المكية ٢٠٢.
(٢) الأعلاق الخطيرة ١/ ١: ٥٤ - ٥٥، ونقله عنه ابن الشحنة في كتابه الدر المنتخب ٢٦ - ٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>