كان المَلِك الظَّاهِر لمَّا مات جَعَلَ ابن أبي يَعْلَى يُظْهر التِّيه العَظِيم الزّائد والجَبَرُوت، ويأخُذ نَفْسه بأُمور المُلْك، ويُكَلِّم الأُمَرَاء بكَلَمٍ خَشِنٍ؛ إنَّ أتابكَ طُغْرِل، سَرَّ إليهِ في أمْرٍ؛ فقال: وهو أيْش هو خازن وليس له كلام في أمْر الدَّوْلة؟
وقال للأمِيْر سَيْف الدِّين بن أبي قِلِيْج في كَلامٍ جَرَى بينهما في تَدْبِير أمْر المُلْك: أيش هذه الصِّبيانيَّة؟ حتَّى هَمّ به الأُمَرَاء.
وكان يَمْضِي ويَجْلِس في دار العَدْل، مَكَان السُّلْطان، ويقُول: اطْلبُوا الحَاكِم؛ يَعْني: القاضِي بَهاء الدِّين يُوسُف بن رَافِع بن تَمِيْم قاضِي القُضَاة، وَيَكْتُب لهُ في التَّواقِيع، وكَتَبَ بالإشارة المَوْلويَّة الصَّاحِبيَّة الوَزِيْرِيَّة، وبرسَالة الأمِيْر شِهَاب الدِّين طُغْرِل إلى غير ذلك، فاخْتَلَّ أمْره عند ذلك، وأجْمعَ رأي القاضِي الصَّاحِب قاضي القُضَاة وجَماعَة الأُمَرَاء على تَوْليَة الأتابك شِهَاب الدِّين أتابكيَّة المَلِك العَزِيْز، فولِيَ له جَميع أُمُور الدَّوْلَة والحُكْم فيها، وفي القَلْعَة والخَزائِن والمَدِيْنة.
وأحْضَرَ إليهِ نُوَّاب الإنْشاء والجَيْش والحُجَّاب، وأمَرَ ونَهَىَ، فأجْمَعَ رأيهُ مع الصَّاحِب قاضي القُضَاة والأُمَرَاء على عَزلِ ابن أبي يَعْلَى، فعُزِل بعد مَوت السُّلْطان المَلِك الظَّاهِر بعِشْرين يَوْمًا، ولَزِمَ بَيْتِه ثُمّ مَرِضَ، وأقامَ لشَهْرًا في مَرِض الدَّاسنْطَاريا، وعُوفي من المَرَض، فتقدّم إليهِ بالخرُوج من حَلَب؛ فباعَ كُتبهِ، وهيّأ أسْبابه، وسارَ عن حَلَب في يَوْم السَّبْت حَادِي عَشر شَوَّال من سَنَة ثلاث عَشرة وستِمِائة.
وسارَ منها حتَّى مرَّ منها على حَرَّان، وأرادَ المقام بها، والتَّعرُّض بخِدْمةِ المَلِك الأشْرَف، فلم يَلْتَفت إليهِ، ومَنَعهُ من الدُّخول عليه.
وحَكَى لي المَلِكُ الأشْرَف أنَّه سَيَّرَ إليهِ يَطْلب خِدْمته؛ قال: فتَقدَّمتُ بأنْ ليسَ له في بلادِي شُغْل، ولا له عندي مَقام، وتقدَّمْتُ بإخْراجِه، وكُنْتُ قد