اجْتَمَعْتُ به على الطّور في خِدْمةِ المَلِك العَادِل والدِي، وقد سَيَّرهُ السُّلطانُ المَلِك الظَّاهِر، فرَأَيْتُ منه حَماقةً عَظِيمةً فأبْغَضتُهُ، وانضمَّ إلى ذلك ما بَلَغَني عنه من تَعَسُّفهِ وما اعْتَمدهُ بعد مَوْتِ السُّلْطان المَلِك الظَّاهِر، فمَنَعتُه من المقام في بلادي.
ثمّ إنَّ ابن أبي يَعْلَى سارَ [إلى] إربِل، فألْزَمه صَاحِبُها المَلِك المُعَظَّم مُظَفَّر الدِّين كوكبُوري بن عليّ بن بكتكِيْن، رَحِمَهُ اللّهُ تَعالَى، وأنْزَله عنده، ولكنَّه لَم يَسْتَخدمه، وبَقِي في إرْبِل مدَة أشْهُر.
ثمّ كاتب مَلِكَ الشَّمَال كَيْكَاوُس، ورَغِبَ في الوصولِ إليهِ، فسارَ من إرْبِل، وتوجَّه إلى بَلَد الشَّمَال، واجْتَمعَ بعزِّ الدّين كَيْكَاوُس، ثُمّ إنَّه مَرِضَ، وحَكى لي بعضُ أصابه: أنَّ كَيْكاوُس نزلَ إليهِ وعادَهُ في مَرضَه، ثُمّ إنّه فارق كَيْكَاوُس وانْفَصَل عنه، فتُوفِّي في قَرْيَة من قُرَى بلاد الرُّوم.
وكان ابن أبي يَعْلَى سَيّئ المُؤاخَذة لِكُلِّ أحَدٍ، قليلَ الصَّفْح عمَّن جَنَى، يُقابِلُ أقلّ النَّاس على فِعْله.
وكانَ بِحَلَب إنْسَانٌ ظَريفٌ من ظُرَفاء المِصْريِّين، يُقال له أبو عَبْد اللّه المِصْريّ الصوفِيّ، وكان له اجْتَماعٌ بالشَّرَف ابن الحُصَيْن ويُعرِّض بمَثالبِه، فبَلَغه ذلك عنه، فأسرَّهُ في نَفْسه إلى أنْ مات ابن الحُصَيْن، فقَطَع مَعْلومه [من] الخَانقاه، وبَقِي هذا المِصْريّ كَذلك، إلى أنْ جَرَى لابن أبي يَعْلَى ما جَرَى من خُرُوجهِ منِ حَلَب، فخَرَجَ أبو عَبْد اللّه المِصْريّ، إلى ظَاهِر باب العِرَاق، ووقَف له حتَّى خَرجَ سائرًا من حَلَب، فتَقدَّمَ إليهِ وخَدمه وقال له: في أمَان اللّه، فجَرَى على ابن أبي يَعْلَى من ذلك شيء عَظِيم" (١).