قال ابنُ العَدِيْم: "أخْبَرني ابنُ قاضِي العَسْكَر، قال: حُدِّثتُ عن حاجِب شَمْس المُلُوك، صاحب دِمَشْق: أنَّهُ كان لشَمْس المُلُوك في مُقابَلةِ المَسْجِد - الَّذي عَمَّرته وَالدته الخاتُون للبَلْخيّ مَدْرسَةً - قَصْرٌ له يَشْرب فيه، وعندَهُ المُغَنُّون له بالمَلَاهي، وكان الشَّيْخُ إذا عَلمَ بهم أمَرَ الفُقَهَاء بأسْرِهم فيَصْعدُونَ إلى السَّطْح، ويُكَرِّرُونَ ليُشَوِّشُوا عليه ما هو فيه، فكان يَتَكَّدر عليه لذَّته، ويتشوَّش عليه.
قال الحاجِبُ: فأخَذَني في بعضِ اللَّيالي، وليسَ مَعنا ثالثٌ، وقال لي: لا بُدَّ من قَتْلِ هذا الشَّيْخ الكَلْب العَجَمِيّ! واسْتَصْحَب معه سَيْفًا، وجاءَ إلى المَسْجِدِ، وإذا بالشَّيْخ قاعِدٌ فيه، فأعْمَى اللهُ بَصَرَهُ عنه، وأنا أُبْصِرُهُ، فقال لي: ما أراهُ هنا! وأين هو هذا الفاعِل الصَّانِع؟ فلمَّا رَأيْتُه كذلك لَم أُعْلِمهُ أنِّي أراهُ، فجَعَلَ يدور عليه ولا يَراه، ثُمّ جاءَ إلى حائطٍ هُناك، فقال: اقْعد إلى الأرْض، حتى أصْعَد على كَتِفَيكَ، قال: ففَعَلْتُ ذلك، وصَعِدَ على كَتِفي، فلمَّا وضَعَ يَده على رأس الحائط، انْقَلَب إلى خَلْف، ووَقَع مُغْمَىً عليه. قال: فاتْبَدرتُ إليه ووَضَعْت رأسه على رُكْبتي، وجَعَلتُ أُسكِّنه وأسْأله، فلمَّا أفاقَ قال لي: لا تَسْأل ما تَمَّ عليَّ، وإنْ حَدَّثتَ به أحدًا ضَرَبتُ عُنُقكَ، اعْلَم أنِّي لمّا هَمَمْتُ بالطُّلوع، فما هو إلَّا أنْ وَضَعتُ يَدي على رأسِ الحائط، وصَعدتُ، وإذا بأسَدٍ عَظِيم قد لَطَمني فألْقاني، وأنا اسْتَغفرُ الله ممَّا جَرَى، ولا بُدَّ لي في غَدٍ من زيارة هذا الشَّيْخ.
فلمَّا كان الغَد، أتَى شَمْسُ المُلُوك إلى الشَّيْخ وزَارَهُ، واسْتَغفر، وتاب، ثُمَّ كان من بَرَكةِ الشَّيْخ أنْ ذلك القَصْر وُقِفُ خَانقاه على الصوفِيّةِ إلى الآن بطَريق النَّيْرب.
قال ابنُ العَديْم: حَدَّثني ابنُ قاضِي العَسْكَر، قال: حَدَّثني جَماعَةٌ من الفُقَهاءِ من أصْحاب البَلْخيّ، منهم وَالدِي، قال: عمَّر آبق صاحِب دِمَشْق دارًا، فاحْتاجَ