للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

===

فيها إلى رُخامٍ، فذُكِرَت له أُسْكُفَّة عَظِيمة من الرُّخام على باب مَسْجِد دِمَشْق، فأمَرَ بقَلْعِها، وعمَل أُسْكُفَّة عِوَضها من غيرها، فجاؤوا واقْتَلعُوها وحَمَلُوها، ومعهم المَلَاهي لَحْملِها، فبَلغَ الخبرُ الشَّيْخَ، فخَرَج من مَنْزلهِ وتَبَعَهُ جَماعَةٌ من الفُقَهاء، وجَعَل لا يَمُرّ بمَحَلَّةٍ إلّا اجْتَمَعَ معه خَلْقٌ منها، حتَّى كَثرُوا جدًّا، ولا يَعْلَمُونَ إلى أينَ يَذْهب.

فلَقِيَهم في الطَّريْق ومعهم الأُسْكُفَّة، فقال لهم: ارْجعُوا، فلم يَسَعْهُمْ إلَّا امْتِثال أمرِه، فعادُوا، ووضعُوها في مَكانِها، ثُمّ أتوا إلى آبق صاحِب دِمشق، فأخْبَرُوه، فأنْكَرَ عليهم امْتِثال أمْرِه (١)، فقالوا: لو لَم نَفْعَل ذلك هَلَكْنا من كَثْرةِ الخَلْق علينا. فأنْفَذَ إِليه، فقال له السُّلْطانُ: دِمَشْق لك هَبْهَا لي!

فقّام، وخَرَجَ ماشِيًا، حيَّ أتى بُصْرَى، والوَالي بها رَبيع الإسْلام أمِيْن الدَّوْلَة، فأكْرَمهُ، وأحْسَنَ إِليه، وأنْزلَهُ في مَدْرسَةٍ كانت له هُناك.

فوَقَعَ بين صَاحِب دِمَشْقَ ووَالي بُصْرَى خلافٌ، فأتَى صاحِبُ دِمَشْق إِلى بُصْرَى، مُحاصِرًا لها، فأرْسَلَ إلى وَاليها: أنْفِذْ إِليَّ البلخيّ ليُصْلح بيننا، فقال رَبيْعُ الإسْلام للشَّيْخ: إنَّ هذا الجبَّار قد سَألَ أنْ تَخْرجَ إليه. فأجابَهُ الشّيْخُ إِلى ذلك، فخرَجَ إِليه، فالْتَقاهُ صاحبُ دمَشْق، وأكَبَّ على قَدَميهِ يُقَبِّلها، والشَّيْخ لا يَرْفعه عنهما، ثُمّ قال له: ما جِئتُ إلَّا لأجْلِكَ، فإنِّي لَم ألْقَ خَيْرًا مُنذ خَرَجْتَ! ولا لَقِيَت دمَشْق (٢) خَيْرًا مُنذ خَرَجْتَ، ولا بدَّ من الرُّجُوعَ إِليها مَعي، وأخَذَهُ وعادَ، فتَلقَّاهُ أَهْلُ دِمَشْق أحْسَنَ لقاء.

قال ابنُ العَدِم في تارِيْخِهِ: أخْبَرنا دَاوُد بن عُمَر خَطِيْب بَيْت الآبَار، [قال]: حَدَّثني عَبْد الرَّحْمن ابن عَساكِر، قال: أَحْكي لك حِكَايتَيْن عن الشَّيْخ البَلْخيّ:


(١) في المطبوعة: أمرهم!
(٢) أضاف محقق هذا الجزء من المسالك كلمه لتصبح العبارة: "في دمشق"!

<<  <  ج: ص:  >  >>