وأقامَت لَيْلتها تلك إلى غَدِ ذلك اليَوْم، وهو يَوْم الجُمُعَة لأرْبَع بَقين منه عند طُلُوع الخَطِيْب المِنْبَر، فبَقِيت رَضِي اللهُ عنها، وكانت تَسْتَغِيث من أحْشَائها وفُؤادها، وكان مَوْتها فجأةً، ونَالَني عليها من الوَجْدِ ما لا أجِدُ له كاشِفًا إلَّا الله سُبْحانه، وكان في نِصْف هذا الشَّهْر كُسُوف قَمَريّ، ولقد جَزِعَت رَضِي اللهُ عنها عند مُشَاهَدتها لكُسُوفِ القَمَر، واجْتَهدتُ في تَسْكِين بُكَائها ونَحِيْبها عندَ رُؤيته بكُلِّ سَبِيل، ونِيَاحتها وبُكاؤها تزيد بُرْهَة من اللَّيْل، ثُمّ ضَربَ على ابْني أبي الحَسَن عليّ منها ضِرْسهُ قَبْلَ وَفاتها بيَوْمٍ واحدٍ، وأحْضَرتُ المُزَيِّن لقَلْعِهِ عند شِدَّة ما نَاله منه من الوَجَع، فلَطَمَتْ وَجْهَها، ودَقَّت صَدْرها، وأحلت بنَفْسها نفسها العظام من البُكَاءِ والنَّحِيْب إلى أنْ قُلِعَ ضِرْس الصَّبِيّ، وقُلْتُ أرْثِيها وأُنْشِدُ شِعْرًا، منه:[من البسيط]