للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

===

ثُمّ حَضَرَ عندَهُ القُرَّاءُ، فاقْتَسَمُوا بينَهُم خَتْمَةً، فعندَ فَرَاغِهم من آخِرِها وقَوْل آخِرِهم: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} (١) قُبِضَ رَضِي اللهُ عنه. ولم أُشاهِدْ قَبْضَهُ لأنِّي اشْتَغَلْتُ بالحُزْنِ عليه. وصَلَّى عليه قاضِي القُضَاة مَالِك بن سَعِيْد. وكان كَثِيرَ الصَّدِيق فلم يَتَخَلَّف عنه كَبِيرُ أحَدٍ.

قال: وكانت له، رَحِمَهُ اللهُ، سَلَّةٌ مُقْفَلَةً خَلْفَ ظَهْرِه في مكانِ جُلُوسِه؛ لم نَدْر ما فيها، لا يَفْتَحُها غيرُه، ولا يُقْفِلُها سِواه. فلمَّا تُوفِّي رَحِمَهُ اللهُ، فتَحْناها وإذا فيها رِقَاعٌ بما كان يَخْتِمه في كُلِّ يَوْمٍ من القُرْآن وما يَدْعُو به، وأعْداد ما يَسْتَغْفِرُ الله بهِ، ليسَ فيها شيءٌ غير هذا.

وأتْبَعَ هذا بما يشُابِهُهُ من التَّطْويل فيما لَيْس فيه فائدة.

وأنْشَدَ مَرْثِيَّةً في أبيهِ منها: [من الكامل]

خَطْبٌ ألَمَّ من الزَّمانِ عَظِيمُ … فالدَّمْعُ سَحٌّ للمُصَابِ سَجُومُ

خَطْبٌ يَقِلُّ له البُكاءُ ويَنْطَوِي … عنه العَزَاءُ ويَظْهَرُ المَكْتُومُ

خَطْبٌ يُمِيتُ من الصُّدُورِ قُلُوبِها … أَسَفًا ويُقْعِدُ تارةً ويُقِيمُ

يا مَنْ يَلُومُ إِذا رآني جَازِعًا … من طَارِق الحَدَثان، فيمَ تَلُومُ؟

بأبي فُجِعْتُ فأيُّ ثُكْلٍ مِثْلُه … ثُكْلُ الأُبُوَّةِ في الشَّبابِ ألِيْمُ" (٢)

"وممَّا يُضْحك ممَّا ضَمَّنَهُ تاريخه قَوْله: وفي سَنَة أرْبَع عَشرة وأرْبَعمائة في الخَامِس والعِشْرين من شَوَّال طَرَقَتُ جَاريَتي، وأُمّ وَلدِي العَزِيْزة عندِي، وألِيْفَتي وقَريْنَتي، ونحنُ مُقِيْمُونَ في دار البَحْر الَّتي أمْلِكُها في الحَمْراء على شَطِّ النِّيْل،


(١) سورة الناس، الآية ٦.
(٢) ابن سعيد الأندلسي: المُغرب في حُلى المغرب (قسم مصر) ١: ٢٦٤ - ٢٦٥، وانظره في المستدرك على كتاب أخبار مصر للمسبحي ١٦٩ - ١٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>