للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأمَّا الّذين يُقْتَلُونَ فشَهِيدُهم كشَهيدِ عَشَرة من شُهَدَاء بَدْر، يَشْفعُ الواحدُ من شُهَدَاءِ بَدْرٍ لسَبْعِين، وشَهِيْدُ المَلَاحِم يَشْفَعُ لسَبْعمائة.

وأمَّا الثُّلُثُ الّذين يَفِرّونَ، فإنَّهم يفتَرقُونَ ثلاثةَ أثْلَاثٍ: ثُلُث يلحَقُونَ بالرُّوم ويقُولُونَ: لو كان للهِ بهذا الدِّين من حَاجةٍ لنَصَرَهُم، وهم مُسْلِمَةُ العَرَب: بَهْرَاء (a) وتَنُوخ وطَيِّء وسَلِيْح (b). وثُلُثٌ يقُولونَ: منَازلُ آبائنا وأجْدَادنا، وحيث لا ينالنا الرُّوم أبدًا، مُرُّوا بنا مُرُّوا بنا إلى البَدْو، وهُم الأعْرَابُ. وثُلُثٌ يقُولونَ: إنَّ كُلّ شيءٍ كاسْمِهِ، وأرْض الشَّام كاسْمها: الشُّؤْم، فَسِيروا إلى أرض العِرَاق واليَمَن والحِجَاز حيثُ تخاف الرُّوم.

وأمَّا الثُّلُث الباقي، فيَمْضي بعضُهُم إلى بعضٍ يقُولُونَ: اللهَ اللهَ! دَعُوا عنكم العَصَبِيَّة، ولتَجْتَمع كلمتُكُم، وقاتِلُوا عَدُوَّكُم؛ فإنَّكُم لن تُنْصَرُوا ما تَعَصَّبْتُم، فيجتَمعُونَ جميعًا ويتَبايَعُونَ على أنْ يُقاتِلُوا، حتَّى يَلْحَقُوا بإخْوانِهم الّذين قُتِلُوا، فإذا أبْصَر الرُّومُ إلى مَنْ تَحوَّل إليهم، ومَنْ قُتِل، ورَأوا قِلَّة المُسْلِمِيْنَ، قام رُومِيٌّ بين الصَّفَّين ومَعَهُ بَنْدٌ في أعْلَاهُ صَلِيبٌ، فيَقُول: غَلَبَ الصَّلِيبُ، غَلَبَ الصَّلِيْبُ، فيقُومُ رَجُلٌ من المُسْلِمِيْن بين الصَّفَّين ومعَهُ بَنْدٌ فيُنادِي: بل غَلَبَ أنْصَارُ اللهِ وأوْلياؤهُ، فيَغْضَب اللهُ على الّذين كَفَرُوا من قَولهم: غَلَبَ الصَّلِيبُ، فيقُول: يا جِبْرِيلُ، أَغِثْ عِبَادِي، فينحَدِر في مائةِ ألْفٍ من المَلائِكَةِ، ويقُول: يا مِيْكَائِل، أغِثْ عِبَادِي، فَيَنْحَدِر في مائتي ألفٍ من المَلائِكَة، ثمّ يقُول: يا إسْرافِيْل، أغِثْ عِبَادِي، فيَنْحَدِر إسْرافِيْلُ في ثلاثمائةِ ألفٍ من المَلائِكَةِ، ويُنْزل اللهُ نَصْره على المُؤْمنيْن، ويُنْزلُ بأسَه على الكُفَّارِ فيُقْتَلُونَ ويُهْزَمُونَ.

ويَسِير المُسلِمُونَ في أرْض الرُّوم حتَّى يأتُوا عَمُّورِيَّةَ، وعلى سُورها خَلْقٌ كَثِيْرٌ يقولونَ: ما رأينا شيئًا أكثر من الرُّوم! كَم قَتَلْنا وهَزمنا وما أكَثرهم في


(a) كتاب الفتن: بهزًا.
(b) كتاب الفتن: سليم.

<<  <  ج: ص:  >  >>