للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

===

قال: وحَدَّثني وَالدِي، قال: اسْتَدعانا نُور الدِّين أنا وعَمِّك أبو غانِم شَرَف الدِّين بن أبي عُصْرُون إلى المَيْدان الأخْضَر، وأشْهَدَنا عليه بوَقْفِ حَوانِيْت على سُور حِمْص. فلمَّا شَهِدْنا عليه الْتَفَتَ إلينا، وقال: باللهِ انْظُروا أي شيء عَلِمتُمُوه من أبْوابِ البِرِّ والخَيْر، دُلُّونا عليه، وأشْرِكُونا في الثَّوابِ. فقال شَرَفُ الدِّين بن أبي عُصْرُون: واللهِ ما تَرَكَ المَوْلَى شَيئًا من أبْوابِ البِرِّ إلَّا وقد فَعَله، ولَم يَتْرُك لأحَدٍ بعده فِعْل خَيْر إلَّا وقد سَبَقَهُ إليه.

وقال: قال لي وَالدِي: دَخَلَ في أيَّام نُور الدِّين إِلى حَلَب تاجِرٌ مُوْسِرٌ، فمات بهما، وخَلَّفَ وَلَدًا صَغِيرًا ومَالًا كَثيرًا، فكَتَبَ بعضُ من بحَلَب إلى نُور الدِّين يَذْكُر له أنَّهُ قد مات هاهُنا رَجُلٌ تاجِر مُوْسِر، وخَلَّفَ عِشْرين ألف دِيْنَار أو فَوْقها، وله وَلدٌ عُمْره عَشر سِنين، وحَسَّنَ له أنْ يُرْفعَ المال إلى الخِزَانة إلى أنْ يَكْبر الصَّغِيْر، ويُرْضَى منه بشيء، ويُمْسَك الباقي لخِزَانةِ. فكَتَبَ على رُقْعَتهِ: أمَّا المَيِّتُ فرَحِمَهُ اللهُ، وأمَّا الوَلَدُ فأنْشَأه اللهُ، وأمَّا المال فثَمَّرهُ اللهُ، وأمَّا السَّاعِي فلَعَنهُ اللهُ. وبَلَغتني هذه الحِكَايَة عن غير نُور الدِّين أيضًا" (١).

"قال ابنُ العَدِيْم في تارِيْخِهِ: وفي سَنَة ثَمانٍ وسِتِّين [وخَمْسِمائة] اسْتَخَدم نُور الدِّين مَلِيْح بن لاون مَلِك الأرْمَن وأقْطَعَهُ أقْطاعًا من بلاد الإسْلام، وأنْجَدَهُ بطَائفةٍ من عَسْكَره. فدَخَلَ إلى أذَنَة وطَرسُوس والمِصيِّصَة وفَتَحَها من يَدِ مَلِك الرُّوم، وأرْسَلَ إلى نُور الدِّين كَثِيرًا من غَنائمهم وثلاثين أسِيْرًا من أعْيَانهم" (٢).


(١) الروضتين في أخبار الدولتين ١: ١١٣ - ١١٥.
(٢) الأعلاق الخطيرة ١/ ٢: ٣٣. وهذا النَّص الذي أورده ابن شَدَّاد قدَّرنا أن يكون من ترجمة نُور الدِّين أو من ترجمة مليح بن لاون الأرمني.

<<  <  ج: ص:  >  >>