وكَثُر مالُهُما وأوْلَادُهُما، وضَاقَتْ عليهم الأرْضُ، فلم يَزَالُوا بتلكَ الأرْض إلى أنْ خَرَجَ مُوسَى ببني إِسْرَائِيل، فاجْتازَ بهم، ودَامَ حَرْبُهم، ونَهَاهُ رَبُّ العالَمين عن ذلكَ، فأخْبَره أنَّ تلك الأرْض دَفَعَها إلى العِيْص ووَلَده مِيْراثًا، ولم تَزل المُشَاحَنَةُ والبَغْضَاء بين وَلَد يَعْقُوبَ والعِيْص ووُلدهم ومُلُوكهم، ولم يَزَل وَلَدُ العِيْص بتلك الأرْض يَقْتَتلُونَ إلى أنْ قَوِيَت وُلْدُ يَعْقُوب بالمُلْكِ والسَّعَة.
كَذَا يقُول الكتابُ، إلى عَصْر دَاوُد فَغَزَاهُم ومَلكَهم، وصَار الآدَمِيُّونَ عَبِيْدًا وإمَاءً لآل إِسْرَائِيل، إخْوَتهم، وتَفَرَّقَ مَنْ بَقي منهم في البِلَادِ، فمنهُم مَن دَخَل بَلَد إسْمَاعِيْلَ عَمّهم، ومنهم مَنْ سَار نحو الشَّام فدَخَلُوا على الأُمَم واخْتَلَطُوا بهم، ومنهم مَنْ نَزَل إلى نحو العِرَاق وبلاد الجَزَائر وأطْراف البَرِّ مثل الرُّصَافَة وما وَالَاهَا، فهُم بها إلى اليَوْم، وضَاع نَسَبُهُم في الشُّعُوب وليسَ لهم حِفظٌ.
وأمَّا مَنْ نَزلَ من قُرَيْش بحَلَب وأعْمالها، فمن بني هاشِم: صالح بن عليّ ابن عَبْد الله بن عَبَّاس، نَزَل ظاهِر حَلَبَ، وابْتَنَى بهِ قَصْره المَعْرُوف ببُطْياس وكان على الرَّابِيَةِ المُشْرِفَة على النَّيْرَب من جِهَة الغَرْب والشَّمَال، وكان عن يَسَار المُتَوَجِّه من حَلَب إلى النَّيْرَب، ومَوضِع إصْطَبْلهِ عن يمين المُتَوَجِّه والطَّريق بينهما، ودَثَرَ القَصْرُ ولم يبقَ منهُ إلَّا الآثار، ويَجِد النَّاس في مَوضِعه شيئًا من الفُسَيْفِساء وكسُور الرُّخَام.
ووُلد لصَالح عامَّة أوْلادِه به، وبَقي من أوْلاده عِيسَى بحَلَب بعده، ووقفَ بها وُقُوفًا على ولدهِ، فوَلده بحَلَب إلى زَمننا وأوْقافُهم عليهم، وَسَنَذْكُر إنْ شَاءَ اللهُ صَالِحًا وولده (١) في كتابنا هذا.
(١) سقطت ترجمة صالح بن علي العباسي وولده عيسى من الكتاب بضياع بعض الأجزاء، وبقيت تراجم آخرين من أبناءه منهم: إسحاق (الجزء الثالث) وإسماعيل (الجزء الرابع)، وتراجم بعض أحفاده من بني عبد الملك وإبراهيم.