إنَّك لخَليقٌ لكُلِّ خير، فبعثَهُ في ثلاثمائة فَارِس وقال له: لا تَتَبَاعد في الطَّلَب وكُنْ منِّي قريبًا، فَخَرج الأَشْتَر، فكان يَغِير منه على مَسِيرة اليَوْم واليَومين ونحو ذلك.
قال: ثمّ إنَّ أبا عُبَيْدَة دعا مَيْسَرة بن مَسْروق فسرَّحَهُ في ألفي فَارِسٍ، فمَرَّ على قِنَّسْريْن، فأخَذَ يَنْظُر إليها في الجَبَل، فقال: ما هذه؟ فسُمِّيَتْ له بالرُّومِيَّة، فقال: إنَّها لكذلك، والله لكأنَّها قِنُّ نَسْرٍ! ثمّ إنَّه مَضَى في أثر القوم حتَّى قَطَع الدُّروب، وبلَغ الأَشْتَر أنَّه قَطَعَ الدُّرُوب، فمَضَى قبلَهُ حتَّى لحقَهُ، وإذا مَيْسَرة مُواقفٌ لِجَمْعٍ من الرُّوم وهم كثيرٌ، وكان مَيْسَرةُ في ألفي فارسٍ من المُسْلِمينَ، وكان أولئكَ أكثر من ثلاثين ألفًا من الرُّوم، وكان مَيْسَرة قد أشْفَق على مَنْ معه وخاف على نَفْسه وعلى أصحابه الهَلاك.
فإنَّهم لكذلك، إذ طلَعَ عليهم الأَشْتَر في ثلاثمائة فارس من النَّخَع، فلمّا رآهُم أصحاب مَيْسَرة كَبَّرُوا، وكَبَّرَ الأَشْتَر وأصْحابه، وأنَّ الأَشْتَر حَمل من مكانه ذلك عليهم، وحَمل مَيْسَرة عليهم فهزمُوهم، وركب بعضهم بعضًا، فهزمُوهُم، وركبُوا رؤُوسَهُم واتَّبَعَتهم خيل المُسْلِمين يقتلونَهُم حتَّى انْتَهَوا إلى موضعٍ مرتفعٍ من الأرض فَعَلَوا فوقه، ونزلت رَجَّالَةٌ منهم إلى خَيل المُسْلِمين فرمَوْهُم، فوقف المُسْلِمُون حين رمتْهُم رَجَّالَةُ الرُّوم، فقال بعض المُسْلِمين لبعضٍ: دعوهم فإنَّهم قد انهزَمُوا، وأخذت الرُّوم على وجوههم (a)، وأقْبَل عظيمٌ من عُظمائهم مع رَجَّالَة كَثِيْرة من رجَّالتهم فجَعلُوا يرمونَ خَيْل المُسْلِمين وهُم على مكان مُشْرف.
قال: فإنَّ خَيْل المُسْلِمين لمُوَافقَتهم، إذْ نزل إلى المُسْلِمين رَجُلٌ من الرُّوم، أحمر عَظيم جَسيم، فتعرَّض للمُسْلِمينَ ليخرج إليهِ رَجُل منهم، قال: فوالله ما خَرَجَ إليهِ رَجُل منهم. فقال لهم الأَشْتَر: فما منكم من أحَدٍ يخرجُ إلى هذا العِلْج؟ فلم