يتكلَّم أحدٌ، قال: فنَزَل الأَشْتَر ثمّ خَرَجَ إليهِ، فمشَى كُلُّ واحدٍ منهما إلى صاحبهِ وعلى الأَشْتَر الدِّرْع والمِغْفَر، وعلى الرُّوميّ مثل ذلك، فلمّا دَنَا كُلُّ واحدٍ منهما من صاحبهِ شَدَّ عليه الأَشْتَر فاضْطَرَبا بِسَيْفيهما، فوقَع سَيْفُ الرُّومي على هَامة الأَشْتَر فَقطع المِغْفَر وأسرع السَّيْف في رَأسه حتَّى كاد يَنْشَبُ في العَظْم، ووَقَعت ضَرْبةُ الأَشْتَر على عاتق الرُّوميّ فلم يَقْطَع سيفهُ شَيئًا من الرُّوميّ، إِلَّا أنَّهُ قد ضَرَبهُ ضَرْبةً شديدةً أَوْهَنَت الرُّوميَّ وأثْقلَت عاتقَهُ، ثُمّ تَحَاجَزا.
فلمَّا رأى الأَشْتَر أنَّ سَيفَهُ لم يَصْنَع شيئًا انصَرَفَ يَمْشي على هِيْنَتِهِ (a) حتَّى أتَى الصَّفَّ وقد سَال الدَّمُ على لِحْيته ووَجْهِهِ، فقال: أخْزَى اللهُ هذا سَيْفًا! وجاءَهُ أصحابُه؛ فقال: عليَّ بشيءٍ من حِنَّاء، فأتَوه به من سَاعته، فوضعَهُ على جُرْحِه، ثُمّ عَصَّبَهُ بالخِرَقِ، ثُمّ حَرَّكَ لِحْيَيهِ وضرب أضْراسَه بعضها ببعض، ثمّ قال: ما أشَدَّ لَحْيَيّ ورَأسي وأضْراسي! ثمّ قال لابن عَمٍّ له: أمْسِكْ سَيْفي هذا وأعْطني سَيْفُكَ، فقال له: دَع سَيْفي -رَحِمكَ اللهُ- فإنِّي لا أدري لعلّي أحْتاج إليهِ، فقال: أعطِنيْهِ ولكَ أُمّ النُّعْمَان -يعني: ابنَتُه- قال: فأعْطاهُ إيَّاه، فذهب ليعود إلى الرُّوميّ. فقال له قَومُهُ: إنَّا ننشُدك الله أن تتعرَّضَ لهذا العِلْج، فقال: والله لأَخْرُجنَّ إليهِ؛ فليقتُلَنِّى أو لأقتُلَنَّه! فتَرَكُوه، فخَرج إليهِ فلمَّا دَنَا منه الأَشْتَر شَدَّ عليه وهو شديد الحَنَق فاضطربا بسَيْفيهما، فضَربهُ الأَشْتَر على عاتقه فقَطع ما عليه حتَّى خَالَط السَّيْفُ رئتَهُ ووقعَت ضَرْبة الرُّوميّ على عاتق الأَشْتَر فقطعَتْ الدِّرع ثمّ انتهت ولم تضرّهُ شيئًا، ووَقَع الرُّوميّ مَيِّتًا، وكَبَّر المُسْلِمُون ثُمّ حَمَلوا على صَفّ رَجَّالَةِ الرُّوم، فجعلُوا ينقضُّون ويَرْمُون المُسْلِمين وهُم من فَوق، فما زالوا كذلك حتَّى أمْسَوا وحالَ بينهم اللَّيل.
(a) فتوح الأزديّ ٣٤٨، وفتوح الوَاقِدِيّ ٢١٥، والإكتفاء للكلاعي ٢/ ١: ٢٧٦: على هيئته. والمثبت كما هو في الأصل و"ك". ومشي الواحد -أو الدابة- على هِيْنَتِه: أي مشى في سكون ورفق. لسان العَرَب، مادة: هون.