فلمَّا أمْسَوا، نادَى مُنادِي العَبْسِيّ بالصَّلاة، فلمَّا أقام وتقدَّم مَيْسَرَة بن مَسْرُوق العَبْسِيّ فصَلَّى بأصْحابه، وتقدَّم الأَشْتَر بأصْحابه فصَلَّى بهم، فلمّا انْصرف، جاءَهُ قَنَان بن دَارِم العَبْسِيُّ فقال: يا صَاحب هذه الخَيْل، ما منعك أن تَجيء فتُصَلِّي مع الأمير مَيْسَرَة بن مَسْرُوق العَبْسِيّ؟ فقال الأَشْتَر: ومن مَيْسَرة بن مَسْرُوق؟ فقال: مَيْسَرة بن مَسْرُوق العَبْسِيّ؟ فقال الأَشْتَر: وما عَبْسٌ؟ وما بنُو عَبْسٍ؟ فقال: سُبحان اللهِ! وما تَدري مَنْ عَبْس ومَنْ بنُو عَبْس! قال الأَشْتَر: لا والله ما أدري، فقال العَبْسِيّ: فمن أنت؟ قال: أنا مَالِك بن الحَارِث، قال: مِمَّن أنت؟ قال: من النَّخَع، قال العَبْسِيُّ: فوالله إنْ سَمعتُ بالنَّخَع قطّ قبل السَّاعَة. فغَضب أناسٌ من أصْحاب الأَشْتَر، فقال الأَشْتَر لأصحابه: مِمَّ تَغْضَبُون؟ أمَّا أنا والله ما كذبْتُ، وما أظُنُّ هذا الرَّجُلَ إِلَّا صَادِقًا. ثمّ قال الأَشْتَرُ: مَنَعَني يا عَبْد اللهِ من الصَّلاة معَكُم أنِّي وُلِّيْتُ هذه الخَيْل ولم يُؤَمَّر عليَّ إنْسان، ولم أُؤمر بطاعةِ أحدٍ، ولَسْتُ مُؤمِّرًا عليَّ مَنْ لم أُؤمَر بطاعَتِه، ولا أُريد الإمارةَ على مَنْ لم يُؤْمَر بطاعتي، وأنا إذا صَلَّيتُ الغَدَاةَ انْصَرفتُ إنْ شاء اللهُ.
وكان أبو عُبَيْدَة قد أشْفَق عليهم حين بَلَغَه أنَّهم قد أدْرَبُوا، وجَزِعَ جَزَعًا شَديدًا، ونَدِمَ على إرْسالهِ إيَّاهم في طَلب الرُّوم. قال: فإنَّه لجالِسٌ في أصحَابه،
(٢) الأصل و"ك": يتحاربون، والأظهر ما أُثبت من فتوح الأزدي ٣٥٠، وفتح الوَاقِدِي ٢١٧، والإكتفاء للكلاعي ٢/ ١: ٢٧٦.