الجُمُعَة لعَشْرٍ بَقِينَ منِ رَجَب، وقد قيل إنّ المُهْتَدي بالله مات يَوْم الخَمِيْس بعد ما بُوْيِعَ المُعْتَمد بيَوْمَيْن.
قال: وركبَ المُعْتَمد يَوْم الاثْنين لسَبْع بَقِينَ مِنْ رَجَب إلى دَار العامَّة، وقَعَد لبني هاشِم والنَّاس فبايَعُوهُ، فلمَّا كان يَوْم الخَمِيْس لأرْبَع ليالٍ بَقِينَ من رَجَب ركبَ في الميدَانِ إلى وَادِي إسْحاق، وخرَجَ من الماءِ، فرَكبَ وظَهَرَ للعَامَّة من الوَادِي إلى الجَوْسَق في شارع الحَسَنيَّة، ثمّ أمَرَ أنْ يُحْدَر عِيال الوَاثِق وولده إلى مَدِينَة السَّلام، ولمَّا ماتَ المُهْتَدي بالله نُودِي على أخيه عَبْد الله بن الوَاثق، وبُذل لمَن جاءَ بهِ مال، ثمّ ظَهَر أمْرهُ أنَّهُ هَرَب إلى يَعْقُوب الصَّفَّار، وأنَّ يَعْقُوب قَبِلَهُ أحْسَنَ قَبُول، وأظْهر إكرامَهُ، وكتَبَ المُعْتَمد إلى يَعْقُوبَ في حَمْلِهِ فلم يُجِب إلى ذلك.
وقال أبو بَكْر الصُّوْلِيّ: حَدَّثَنا عَوْنُ في مُحَمَّد، قال: قَتَل المُهْتَدي يَوْمَ حَارَبَ الأتْراكَ جَمَاعَةً بيَده، ورأَوا من شَجَاعَتِهِ وبأْسهِ ما لم يَرَوهُ من أحدٍ قَطّ، فلمَّا صار في أيديهم أرادُوه على الخلعِ فأبَى، وسَمِعَ الضَّجَّة، فقال: ما هذا؟ قيلَ: جَاءُوا بأحْمد في المُتَوَكِّل للخِلَافَة، فقال: أحْمَد هذا هو ابن فِتْيَان؟ قالوا: نَعَم، قال: وَيلٌ لهم؛ فهَلَّا أتَوا بأبي عِيسَى أخيهِ، فإنَّهُ كان أقْرب لهم إلى الله عَزَّ اسْمهُ، وأنْفَعَ للمُسْلِمين.
قال: وأوْقَع الأتْراكُ البَيْعَة لأحمدَ بن المُتَوَكِّل على الله وسَمّوه المُعْتَمد، وذلك في يَوْم الثّلاثَاء لثلاث عَشرة ليلَة بَقِيَتْ من رَجَب سَنَة ستٍّ وخَمْسِين ومَائتَيْن، ولم يَخْلَعِ المُهْتَدي نَفْسَهُ فقَتَلوه، وقيل: ماتَ من سَهْمٍ وضَرْبةٍ كانا به، وصَلَّى عليه جَعْفرُ بن عَبْد الوَاحِد الهاشِميّ.
قال أبو بَكْر الصُّولِيّ: وكان المُعْتَمدُ جَهِيْرًا، فَصِيْحًا، صَيِّتًا؛ إِذا خَطَبَ أسْمَعَ أقْصَى النَّاس، وكان يُمَثَّلُ بينه وبين المُسْتَعِين بالسَّخَاء، فيُقالُ: ما وليَ لبني العبَّاس أسْخَى منهما، وكان جَيِّد التَّدْبِير فَهِمًا بالأُمُور، جَليْلًا في قلُوب النَّاسِ، فلمَّا جَرَى عليه ما جَرَى من تفويضِه أمْرَهُ، وغُلِبَ على رَأيهِ، نَقَصَتْ حَالُهُ عند النَّاسِ.