في حَدَاثَته فَلُقِّبَ بالمُتَنَبِّي لذلك، وكان عَارِفًا باللُّغَة قَيِّمًا بها.
قَدِمَ الشَّامَ في صِبَاه وجَالَ في أقْطَارها، وصَعِدَ بعد ذلك إلى الدِّيَار المِصْرِيّة، وكان بها في سَنَة خَمْسٍ وثَلاثين وثَلاثِمائة (١)، ثمّ قَدِمَ حَلَب وَافِدًا على الأَمِير سَيْف الدَّولَة أبي الحَسَن عليّ بن عبد الله بن حَمْدَان، ومَادِحًا له، فأكْرَمه ونَفَق عليه، وصار خَصِيْصًا به، مُلَازمًا حَضَرًا وسَفَرًا، إلى أنْ خَرَجَ من حَلَب غَضْبانَ بسبَب كلام وقَعَ بينه وبين أبي عبد الله بن خَالَوَيْه في مَجْلِس سَيْف الدَّوْلَة، فضَرَبهُ ابنُ خَالَوَيْه بمِفْتاح.
وكان دُخُوله إلى حَلَب سَنَة سَبْعٍ وثَلاثين وثَلاثِمائة، وخُرُوجه منها إلى مِصْر الدّفْعَة الثَّانيَة في سَنَة ستٍّ وأرْبعين وثَلاثِمائة، وكان نُزُوله بحَلَب في مَحَلَّتنا المَعْرُوفة بآدر بَنِي كِسْرَى.
قال لي والدي: وكانت دارهُ دارًا هي الآن خَانكَاه سَعْد الدِّين كُمُشْتُكِيْن مُلَاصقَة لدَارِي.
وكان ابن خَالَوَيْه مُؤَدِّبَ وَلدَيْ الأَمِير سَيْف الدِّين: أبي المَكارِم، وأبي المَعَالِي، فظَفِرْتُ بجُزءٍ بخَطّ ابن خَالَوَيْه ذَكَرَ فيه ما يَحْفظه الأمِيْران المذْكُوران، فذكَرَ أنْواعًا من الفِقْه، والأَدَب، وأشْعَار العَرَب، وقال في جُمْلَتها: ويحفَظان من شِعْر الشَّاعر المَعْرُوف بالمُتَنَبِّي كَذَا وكَذَا قَصِيدَةً، وعَيَّنَها، ولم يَذْكر أنَّهُما يَحْفظان لغيره من العَصْريِّين شيئًا. وهذا يَدُلُّ على عِظَمِ قَدْره وجَلَالَة أمْره في ذلك الزَّمان.
رَوَى عن أبي الطَّيِّب: القَاضِي أبو الحُسَين مُحَمَّد بن أحْمَد بنِ القَاسِم المَحَامِلِيّ، وأبو الفَتْح عُثْمان بن جِنِّي النَّحْوِيُّ، وأبو مُحَمَّد الحَسَن بن عليّ بن الصَّقْر
(١) علَّق الأستاذ مَحْمُود شاكر على هذا القول بأنه خبر جديد تفرَّد به ابن العديم. انظر كتاب المُتَنَبِّي ٦٠٧.